الجمعة، 28 نوفمبر 2014

البوحُ قاتلٌ يا صديقي .

يا صديقي .. أعلمُ أنكَ كثيراً ما تقرأ ، تُفكر ، ثمّ تصمت ، فيأسركَ الصمت و يوجعك الحال ، لكنكَ تدركُ انكَ تملكُ حرفاً يلتوي بالفرح فنقرأ منه الوجعَ فرحاً و نتفاءل به .

أدركُ يقيناً ما بصدرك من حديث ، ما لا تستطيعُ البوحَ به لأنكَ ستُخنقُ به ، لأنه سيسأسركَ ويؤلمكَ كثيراً ، البوحُ بهِ قاسٍ قد يودي بحياتكَ هدراً ، أدركُ ذاكَ الذي الصوتُ المبحوحُ في صدرك ، التي لن تُسمع صرخاته ، ولن يُستجاب لندائاته ، أعلم ذلكَ ما بقلبكَ من حديث ، وما بفكركَ من حروف ، وما بكَ من صمتٍ يحرقك !

صديقي .. تلكَ الحوارات التي قرأتها وأنتَ مختبئ خوفاً من أن يروكَ فيجرحوكَ بالحديث ، الأحرف التي خبئتها عن أعين الجميع وحدهُ الله يعلمها ، و الكبتَ الذي أنتَ فيه وحده الله من سيسمعُ حديثكَ وندائك ، فقط احمِ نفسكَ من الجراح ، ومن كلّ شيء ، أخلو مع الله ، وهاجر دونهم ، سافر بعيداً في المَدى و ابتسم .

قلتُ لكَ تلكَ المرة حادثني يا صديقي .. فقلتَ لي تلكَ الحكاية التي أعادها جدّك لمسامعك في كلّ مرة ، حكيت لي الحكايةُ الأسطورية التي يجهلها عن البعض ، عن المرأة التي تملك أحدَ عشرةَ اخت ، وفي يومٍ ما حينَ أدخل ابنائها الضيوفَ الغرباء لمنزلهم ، و أكرموهم طويلاً كانوا يظهرون الكرمَ وما ترّبوا عليه ، حتى اغتُصِبَت أمهم ، و قتلَ أولُ أبنائها ياسين ، تلكَ المرةُ هُجرت ، وتُركت ، كل أخوتها تخلّوا عنها ، رأؤوها مخيفةً تشتهي الإنتقام ، أو أنها مكسوةٌ بالعار ، ابتعدوا شيئاً فشيئاً ومضوا دونها في حيواتهم ، وهي تنكسرُ شيئاً فشيئاً حتى غزاها الشيبُ وهي تهمسُ انقذوني ..

كَبت الأخوات بعيداً عن اختهم ، وكلٌّ يشتهي أن يكونَ بعدَ والديهم هوَ المسؤول عن الجميع ، فتقارب الأعمار بينهم لا يعطي أيٌّ منهم الحقَّ في أن يقولَ أن الأكبر بينكم ، أو أنني المسؤول عنكم ، تزدادُ الصراعات بينهم بهدوءٍ غريب ، يلحظه البعضُ ويتجاهله ويتحدثُ فيه الآخر حتى ينتقمون منه ويصمت بعدها في قبرهِ إلى الأبد !

يوماً ما أعلنتَ احد الأخوات أن لها الحقَّ بكلّ شيء ، و أزهرت ، تراقصت فرحاً بالسيادة ، أشرقت ربيعاً و كانت فجراً منيراً ، حتى أثارت غيرةُ أختيها ، فتسللا على حينِ غفلةٍ في ليلةٍ ما لمحاولة قتلها ، جرحاها في كبدها بسيفٍ حاد حتى سقطت مغشياً عليها ، ظنّت الأختين أنها توفت فسارعتا بالهرب ، لكنّها لم تتوفَ فُجرحت كثيراً وابتعدت محاولةً ان تطوي جراحها من خيانةِ اخواتها !

أخوة يوسف و غدرهم ، يبدو أنهم أقلُ خبثاً من إخوةٍ نسوا دستورَ من سبقهم من أبائهم و أجدادهم ، نسوا أن السيادةُ التي بينَ يديهم ستبتعدُ عنهم ، وكلٌّ يحاول صنعَ فخٍ لأخيه !

ثمّ ماذا ؟ أتدري يا صديقي أنتَ تدركُ تماماً ان أولئك الأخوة لن ينعموا بسلامٍ يوماً ، فدعاءُ اختهم المظلومةً يشتدُّ عليهم كلّ ليلة ، وحديثها مع الله حتى الفجرِ يبقى موشوماً في صدورهم جراحاً !

أتدري يا صديق .. ذاتُ مرةٍ رأيت أحدُ الأخوة يحاول تبرئة جراحهِ ، يمشي طويلاً في الطرقات مغنياً ، يرقصُ برايةُ دمائه حتى أصبحَ مهووساً برايته ، إخوةٌ لم يولدوا في رحمِ الحياةِ لكنّهم خنقوا أنفسهم !

أتدري ماذا بعد .. أنتَ تدركُ ان جدّك حكى لكَ تلكَ القصة حتى تكونَ مع اخوتكَ كريماً ، حتى تبقى معهم دائماً وتخافُ عليهم من كلّ أذى .. أولئك الإخوةُ لم يكونوا يوماً إخوة !

إنهُ مجرّدُ وهمٌ انهم إخوة ، يتناقله الأجداد ليحكوها لأحفادهم ، و تقوّي بها الجدّات علاقتهنّ مع حفيداتهن ، إنها قصةٌ وهميةٌ أسطورية ، تجري كالدمِ فينا ، متمسكينَ بذاك الوهم ، لن نسستيقظَ منه مرةٌ ابداً !

لا بأس ، ادركُ يا صديقي أنكَ في اشتياقٍ لتروي تلكَ القصة لحفيدك ، لكنّ فكر إن كتبتها قبلَ تلكَ المرة هل سيتركك الإخوة ؟ سيقتلكَ الوهمُ من التفكيرُ بهم !

يُحكى أنها لعنةٌ تصيبُ راويها في كلّ مرة ، فيهذي بها كثيراً حتى يتبخرُّ جسدهُ في السماء ويرحل .

ابقي حديثكَ بصدركَ يا صديقي .. فليست كلّ القصصِ تروى ، وللبيوت حُرمات ، وليسَ كلّ ما في القلبِ يُباح به ، احذر يا صديقي .. بالبوحُ قاتلٌ أحياناً !

هناك تعليقان (2):

  1. أخلو مع الله ، وهاجر دونهم ، سافر بعيداً في المَدى و ابتسم .

    ردحذف
  2. جدا رائع
    البوح قاتل
    والصمت متعب
    والنفس تشتهي الراحه

    ردحذف