صديقي .. في هذا الشّتاء البارد ، الحرفُ لكَ دفء ، الحرفُ غصنُ الشجرةِ
التي توقظكَ كلّ صباح وهي تحتكُ على زجاج نافذة غرفتك ، الحرفُ كالقهوةِ السوداءَ
فوقَ طاولةِ الخشب تُمسك كتاباً عن شمالك ، تقرأ رواية وتبتسم ، الحرفُ ذاكَ
الدفءُ يسري داخلك ، يُخالطُ الدم في سريانه في مجرى الجسد ، الحرفُ يمتدُّ فينا
ويحيينا تماماً مثلَ النّفس .
أتدري أن الأحرف يُحالُ ان تُرجم ؟ أنتَ وحدكَ من ترجمها بغضّ النظر عنها
ثمّ تبحثُ عن دفءٍ يحتوي شغافَ شوقكَ للأدب ، الحرفُ ملءٌ للفراغِ بداخلك ، الحرفُ
يجمعُ الشتات الذي بَعثرك ، الحرفُ مرآةٌ لذاكَ الحبُّ في صدرك ، الحرفُ حياةٌ يا
صديق .
وضّب خيالك يا صديقي ، احمل متاعك ، استعد لهذا السّفر ، للرحيل ، للإبتعاد
عن الضوضاء ، لتجاهل بعثرة هذا العالم ، لتقرأ تدوينةٌ قد كتبتها ، لتحلق في الأفق
البعيد ، لتبتسم ، لتمضي مع حديثٍ الحرف في تفاصيلِ السعادة .
صديقي .. لا تقرأ الحرف لأني أرسلتُه لك ، لتؤدي واجبكَ بالردّ عليّ
لتُسعدني ، لتمدحَ حرفاً منه أو لتشكرني عليه ، لا تقرأه لأني اعتدتُ ان تفعلَ ذلك
، و لا تردّ عليّ لأنك تدركُ أنني انتظرُ رداً منك ، ولا تثني عليه دونَ أن تغوصَ
فيه عميقاً لأنكَ تتوقعُ مني شيئاً معينا تلكَ المرة فالأمرُ قد يؤلمني ولن يسعدني
و أنتَ على يقينٍ بذلك .
اقرأ الحرفَ لأنكَ تَملكُ الرغبةَ في ذلك ، لأنك تشعرُ أنه سيحرّك شيئاً ما
بداخلك ، لأنه سيروي شغافَ الحبّ داخلك ، لأنه يحييكَ تارةً أخرى ، و يوقظكَ
كُلّما بكيت ، لأنه يمسحُ الدمعَ اليتيمَ على وجنتيك ، لأنهُ دفءٌ لقلبك ، لأنه
مختلفاً عن هذا العالم ، ولأنه سيضلّ موشوماً في صدرك .
أتدري يا صديقي .. لا تَكن قاسٍ عليّ ، لا تُكن فظاً معي ، لا تعوّدني على
فعلٍ وتهجره ، لا تجاملني طالَ الزمان أو قَصر لا تجاملني ، لا تدّعي أنكَ تحبُّ
أمراً وأنت تكرهه ، فكرهكَ له لن يغيّر شيئاً مني إن كنتُ لا أراهُ خطئاً ، ولن
يغير شيئاً مني لكَ لأنك لا تحبه ، لأنكَ لم تخلق لتحبّ كل شيئ في ، لأنني لستُ
ملكٌ لأكون كامل ، ولا أتوقعُ منكَ أن تكون كاملاً ، فلمَ القسوةُ تعتري قلبك
لتؤلمني بحديثك ، في الواقع يا صديقُ الحرفُ لم يكن لكَ ولم يخصص لك .
الحرفُ هالةُ النورِ التي تُبعدني عن كلّ شيء ، لا اكتب لكَ أو لغيرك أو
لأي أحد ، وقد أفعل ، كلّ ما بداخلي أن ينسلّ الحرفُ مني لهذا العالم ، ليطوي
صفحةُ المشاعرِ العجماءُ بداخلي لتترجمَ بحبرٍ على ورق ، لتوشمُ في قلبي كالحبّ .
الحرفُ يا صديقي حياة ، يُخبرنا كيفَ لتفاصيلٍ صغيرةٍ تحملنا من وجعِ هذا
العالم ، كيفَ ليكونَ لنا وطناً و أسرة ، منفى ، كيفَ لنا أن نسافرُ بعيداً ،
وكيفَ لنا أن نُلامسَ الغيمَ ونحنُ مستلقين تحتَ ظلِّ ياسمينة ، كيفَ لنا أن نبتسم
بعد البكاءِ الحارق ، وكيفَ لنا أن نضحكَ مع أصدقاءٍ مدوّا لنا أحرفهم كمواساة ،
الحرفُ بمثابة الحضن الذي يطفئُ تلكَ الرجفة التي تُلازمنا حينما نتألم ، الحرفُ
كالحبِّ تماماً يتمدُّ من القلوبِ ويسعدها .
قد تتساءل كيفَ يمكن لذاك الجزء الضئيل من العالم أن يكون لنا اكسجين ، أن يكون
لنا عالمٌ فيه نحنُ وحدنا ، كيفَ يُمكننا أن نعيش حياةً في بضعة أحرف ، كيفَ يُمكن
لحرفٍ أن يسقينا الفرحَ غيثا ؟ قد تتساءل عن كلّ السعادات التي تُزرعُ فينا من
مجرّد حرف ، ان حتماً ستملكُ تلكَ المشاعرُ التي تعترينا ، إن لم تكتبها يوماً
فإنكَ ستشعرُ بها عندما تقرأ !
أتدركُ يا صديقي أسماءُ المشاعرُ التي تراودنا ليست مقرونةٌ بالحرفِ وحده ،
و البوح ليسَ مقروناً بالحرفِ وحده ، لا بأس أن أبوحَ أنا عن مشاعرك ، وتقرأها
أنتَ وتبتسم ، لا بأس أن أتحدّثُ عن الفقدِ ، وتشعرُ أنّها كتبت لكَ وحدك ، لا بأس
أن ترى في حرفٍ ليسَ بحرفكَ عالمٌ لك ، وتحلّق فيه بعيداً !
صديقي .. في الحرفِ نبراسٌ طاهر ، في الحرفِ أحلامٌ تُزهر ، في الحرفِ
مشاعرَ مرهفةٌ ، و أحاديثٌ بها نمضي ، الحرفُ حياة تحيينا ، الحرفُ حياةٌ تسعدنا ،
الحرفُ يا صديقي .. حياةُ فتمسّك به ، وحقق حلمي ليكون هذا الحرفُ خريفاً أخضرا .
صديقي .. الحرفُ حياةٌ و حياة ، لا تجعلهُ مؤلمٌ أبداً ، رتّل فوقَ الغيمِ
بعد كلّ صلاة " اسقنا يا الله الحرفُ غيثا ، و أحينا به "
ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها..... ابراهيم♡
ردحذفإن لم تكتبها يوماً فإنكَ ستشعرُ بها عندما تقرأ !
ردحذف