السبت، 22 نوفمبر 2014

الحرفُ حياةٌ يا صديقي .

صديقي .. في هذا الشّتاء البارد ، الحرفُ لكَ دفء ، الحرفُ غصنُ الشجرةِ التي توقظكَ كلّ صباح وهي تحتكُ على زجاج نافذة غرفتك ، الحرفُ كالقهوةِ السوداءَ فوقَ طاولةِ الخشب تُمسك كتاباً عن شمالك ، تقرأ رواية وتبتسم ، الحرفُ ذاكَ الدفءُ يسري داخلك ، يُخالطُ الدم في سريانه في مجرى الجسد ، الحرفُ يمتدُّ فينا ويحيينا تماماً مثلَ النّفس .

أتدري أن الأحرف يُحالُ ان تُرجم ؟ أنتَ وحدكَ من ترجمها بغضّ النظر عنها ثمّ تبحثُ عن دفءٍ يحتوي شغافَ شوقكَ للأدب ، الحرفُ ملءٌ للفراغِ بداخلك ، الحرفُ يجمعُ الشتات الذي بَعثرك ، الحرفُ مرآةٌ لذاكَ الحبُّ في صدرك ، الحرفُ حياةٌ يا صديق .

وضّب خيالك يا صديقي ، احمل متاعك ، استعد لهذا السّفر ، للرحيل ، للإبتعاد عن الضوضاء ، لتجاهل بعثرة هذا العالم ، لتقرأ تدوينةٌ قد كتبتها ، لتحلق في الأفق البعيد ، لتبتسم ، لتمضي مع حديثٍ الحرف في تفاصيلِ السعادة .

صديقي .. لا تقرأ الحرف لأني أرسلتُه لك ، لتؤدي واجبكَ بالردّ عليّ لتُسعدني ، لتمدحَ حرفاً منه أو لتشكرني عليه ، لا تقرأه لأني اعتدتُ ان تفعلَ ذلك ، و لا تردّ عليّ لأنك تدركُ أنني انتظرُ رداً منك ، ولا تثني عليه دونَ أن تغوصَ فيه عميقاً لأنكَ تتوقعُ مني شيئاً معينا تلكَ المرة فالأمرُ قد يؤلمني ولن يسعدني و أنتَ على يقينٍ بذلك .
اقرأ الحرفَ لأنكَ تَملكُ الرغبةَ في ذلك ، لأنك تشعرُ أنه سيحرّك شيئاً ما بداخلك ، لأنه سيروي شغافَ الحبّ داخلك ، لأنه يحييكَ تارةً أخرى ، و يوقظكَ كُلّما بكيت ، لأنه يمسحُ الدمعَ اليتيمَ على وجنتيك ، لأنهُ دفءٌ لقلبك ، لأنه مختلفاً عن هذا العالم ، ولأنه سيضلّ موشوماً في صدرك .

أتدري يا صديقي .. لا تَكن قاسٍ عليّ ، لا تُكن فظاً معي ، لا تعوّدني على فعلٍ وتهجره ، لا تجاملني طالَ الزمان أو قَصر لا تجاملني ، لا تدّعي أنكَ تحبُّ أمراً وأنت تكرهه ، فكرهكَ له لن يغيّر شيئاً مني إن كنتُ لا أراهُ خطئاً ، ولن يغير شيئاً مني لكَ لأنك لا تحبه ، لأنكَ لم تخلق لتحبّ كل شيئ في ، لأنني لستُ ملكٌ لأكون كامل ، ولا أتوقعُ منكَ أن تكون كاملاً ، فلمَ القسوةُ تعتري قلبك لتؤلمني بحديثك ، في الواقع يا صديقُ الحرفُ لم يكن لكَ ولم يخصص لك .

الحرفُ هالةُ النورِ التي تُبعدني عن كلّ شيء ، لا اكتب لكَ أو لغيرك أو لأي أحد ، وقد أفعل ، كلّ ما بداخلي أن ينسلّ الحرفُ مني لهذا العالم ، ليطوي صفحةُ المشاعرِ العجماءُ بداخلي لتترجمَ بحبرٍ على ورق ، لتوشمُ في قلبي كالحبّ .

الحرفُ يا صديقي حياة ، يُخبرنا كيفَ لتفاصيلٍ صغيرةٍ تحملنا من وجعِ هذا العالم ، كيفَ ليكونَ لنا وطناً و أسرة ، منفى ، كيفَ لنا أن نسافرُ بعيداً ، وكيفَ لنا أن نُلامسَ الغيمَ ونحنُ مستلقين تحتَ ظلِّ ياسمينة ، كيفَ لنا أن نبتسم بعد البكاءِ الحارق ، وكيفَ لنا أن نضحكَ مع أصدقاءٍ مدوّا لنا أحرفهم كمواساة ، الحرفُ بمثابة الحضن الذي يطفئُ تلكَ الرجفة التي تُلازمنا حينما نتألم ، الحرفُ كالحبِّ تماماً يتمدُّ من القلوبِ ويسعدها .

قد تتساءل كيفَ يمكن لذاك الجزء الضئيل من العالم أن يكون لنا اكسجين ، أن يكون لنا عالمٌ فيه نحنُ وحدنا ، كيفَ يُمكننا أن نعيش حياةً في بضعة أحرف ، كيفَ يُمكن لحرفٍ أن يسقينا الفرحَ غيثا ؟ قد تتساءل عن كلّ السعادات التي تُزرعُ فينا من مجرّد حرف ، ان حتماً ستملكُ تلكَ المشاعرُ التي تعترينا ، إن لم تكتبها يوماً فإنكَ ستشعرُ بها عندما تقرأ !

أتدركُ يا صديقي أسماءُ المشاعرُ التي تراودنا ليست مقرونةٌ بالحرفِ وحده ، و البوح ليسَ مقروناً بالحرفِ وحده ، لا بأس أن أبوحَ أنا عن مشاعرك ، وتقرأها أنتَ وتبتسم ، لا بأس أن أتحدّثُ عن الفقدِ ، وتشعرُ أنّها كتبت لكَ وحدك ، لا بأس أن ترى في حرفٍ ليسَ بحرفكَ عالمٌ لك ، وتحلّق فيه بعيداً !

صديقي .. في الحرفِ نبراسٌ طاهر ، في الحرفِ أحلامٌ تُزهر ، في الحرفِ مشاعرَ مرهفةٌ ، و أحاديثٌ بها نمضي ، الحرفُ حياة تحيينا ، الحرفُ حياةٌ تسعدنا ، الحرفُ يا صديقي .. حياةُ فتمسّك به ، وحقق حلمي ليكون هذا الحرفُ خريفاً أخضرا .

صديقي .. الحرفُ حياةٌ و حياة ، لا تجعلهُ مؤلمٌ أبداً ، رتّل فوقَ الغيمِ بعد كلّ صلاة " اسقنا يا الله الحرفُ غيثا ، و أحينا به "


هناك تعليقان (2):

  1. ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها..... ابراهيم♡

    ردحذف
  2. إن لم تكتبها يوماً فإنكَ ستشعرُ بها عندما تقرأ !

    ردحذف