الأربعاء، 1 أكتوبر 2014

ضجةُ حديث !


ضجيجٌ ما تعشقُ فيه الجلوس بجانبِ المرآة في رحلةٍ طويلةٍ جداً تراها ، وهي لا تتجاوز الثلاث ساعات ، رأسها على النافذةِ تتأمل قدسيّة هذا العالم ، و تحكي بصمتٍ كلّ ما فيها ،  لطالما ذُرفت دمعةٌ يتيمة وهي هناك بسكونٍ لا تشبههُ أيّ سكينة ، وكأنها سُلبت حتماً من هذا العالم كانت تُفكر حتى ييأس التفكيرُ منها ، تفكر في كلّ شيء ، في الحياةِ ، وفي ضجيجِ الشوارع ، تفكر في كتبها التي على رجليها ، وفي أحاديثها الطويلة ، وفي الجمالُ المضوّعٌ في شيءٍ ما ، وبينَ ذاكَ الضجيجِ يلوحُ داخلها طيفٌ راحل ، تاقت له طويلاً !

-          رأيتكِ اليوم !
حقاً ؟ أين ؟ لم اركِ ؟
-          كنتِ في الحافلة و أنا في الحافلة المجاورة ، رأيتكِ تبدينَ شاردةَ الذهن ، لم تتغيّري حتماً ولم أركِ منذ زمن !
أه ، تمنيتُ لو أنني لقيتكِ ، اشتقت إليكِ !
-          ما بالكِ ؟ لم اعهدكِ بذاك المشهد الذي رأيته في وجهكِ ملامح شاردة ، بجانبكِ كنتُ لدقائق في الزحام ولم تلمحي ابداً وجودي بجواركِ !
عذراً ، لم ألحظ وجودكِ
-          فجر !
لبيكِ ي روح !
-          يبدو أنكِ حُملّتِ أكثرَ مما تقوينَ عليه !

ولكن يا رَفيقة ، ربي لا يعطي عبدهُ أكثر مما يقوى عليه ، ولي صبراً سيحملني إلى الجنّة ، ولي أمنياتٌ و إن جفّ كل شيء كالمزن تمطرُ فيّ ، و لي قوةٌ لو شعّبتها تسع وتسعين شعبه ستبقى واحدةً منها لآخر ، ولكنّ يا رفيقة الفقدُ ليسَ كلّ شيء و إن كانَ قاتلاً ، و الفقدُ حينَ ينهشنا سيبنينا ، و الفقدُ يحملنا إلى الجنّةِ كي نحيا .
ولكنّ يا رفيقة الصبحُ يشبهُ قوّتي التي حُملّتُ بها ، أتعلمين و إن طال بكائي سيمطرُ صبري ربيعاً مُزهرا ، وسيكون معي إلى الجنّة ، و لكنّ يا رفيقة أن واقعةٌ في غرامِ كلّ ما بي!

اللحظة التي أذهبُ فيها لأبعد غرفةٍ في المنزل حاملةً وسادتي ، مبتعدةً عن كلّ شيء ، أختبئُ في الظلمةِ وحدي لا يعني ذلكَ أني منكسرةٌ يا رفيقة ، لكنّ هناك اجعل من فقدي دربي للجنّة ، و إن طريقي هذا إن كنتِ ترينه حالكَ الظُلمة فهوَ مزهراً بالنسبةِ لي ، لكنِّ يا رفيقتي أرى الياسمين يمطرُ منه الحبّ آن ذاك ، و أرى معالم الفرح ترتسمُ داخلي ، و أجد في عزلتي تلكَ شيئاً لا أجدهُ في كلّ شيء ، رُبما هيَ ذاتي التي تختبئ أحياناً ، و رُبما هيَ احلامي التي تستيقظَ تلكَ الحين ، ورُبما هيَ ما يجعلني بخير ، و أدرك يقيناً ان هناك من يأتي ليسال : أنتِ بخير ؟

ذاكَ السائلُ هو الذي خُلقَ الحبُّ منه ، اتدرين يا رفيقة ذاكَ السائل الذي أراهُ بقلبٍ يخفقُ بالدعاء له ، سيكون من أجمل التفاصيل في هذا العالم ، و رُبما هوَ من سيربّت على كتفي مراراً ان هونِ على نفسكِ ، ومع ذلك هو من يحتويني بصمتٍ لأنه يدرك تماماً ان ألمي هذا ما هو إلا قوةً بداخلي تنبض ، ولكنّ يا رفيقة و إن كثرت الأرواح حولي سيضلُّ الفقدُ بداخلي حياً لأن الله يخلق بني آدمَ مرةً واحدة ولن يكون مثلهُ احدٌ أبداً ، أكادُ أوقنُ احياناً أن المعجزات تحدث ، و القوةُ التي بداخلي تشبهُ هالةً من نور تحميني من كلّ شيء و تحويني ، إن القوةَ تلكَ هي المعجزة التي أخافُ أن تتلاشى فجأة فأضعفُ على حينِ غفلة ، إنني أخشى كثيراً يا رفيقة أن أضعف فيطرأ في بالي لحظةَ ان الله حملّني ما لا أقوى عليه ، حينها لن أسامح نفسي .

و لكنّ يا رفيقة مسامحتي لنفسي هيَ امرٌ يجعلني بخير ، لا أستطيعُ العيش ونفسي تكرهني ، اتدرين أن ظلمة الليل هيَ ما تجعلني أتألم ، وهي نفسها التي ترسمُ ابتسامةٍ على شفتاي ، لكنِّ حتماً اخشى تلكَ الوحدة و أخشى لجوئي للفراش و اختبائي تحتَ الغطاء ، أخشى كثيراً تلكَ اللحظات لأن محادثتي لأحدهم تعني بوحَ الكثير ، تلكَ اللحظات تجعلني أتحدثُ كثيراً و أهلوس أكثر ، وتجعلني أبوحُ بذاتي بشفافيةِ البوح الذي أكره ، ولكنّ يا رفيقة ظلمةُ الليل تسلب مني غموضي !
الغموضُ يا رفيقة إن سُلبَ مني أشعرُ أنني مجرّدةً من كل شيء ، و مع ذلك هو كلّ ما يلتحفني حينَ اتألم ، أتدرين يا رفيقة اختفائي في ليلٍ حالكَ الظلمة يصعبُ تفسيرهُ احياناً ، وبقائي حتى آخر الليل آمرٌ غريبٌ جداً ، ورُبما أحياناً يكون الليل هو رفيقي ولو أنه مرهقٌ يبوحُ بالشجن فينا ، ومع  ذلك الليل أجمل فهوَ ما يخبئ الدمعُ كثيراً ، ولكنّ يا رفيقة الليلُ مع اللهِ سيحملني إلى الجنةِ ، وحينَ أبقى وحيدةٌ ليسَ معي إلا الله أدعوهُ بتضرعاً و خشية هو كلّ ما فيّ من فرحٍ وحب.
الحُب يا رفيقة هو ما يطيرُ بيَ بعيداً جداً ، يحلّق بي ، ويخوضُ بي إلى حلمِ الجنّة ، الحبُّ يا رفيقة دعاءُ في كبدِ التضرّع ، الحبُّ عناقُ سماويّ ، سأعانقكِ كثيراً في السّماء فلا تستائي من ابتعادي عن كلّ شيء ، الإبتعادُ عن كلّ شيء أمرٌ يناسبني حتماً !
و لكنّ يا رفيقة البعدُ يحملني بعيداً ، بعيداً جداً إلى الجنّة ، وحينَ أبقى في دربٍ وحدي يكونُ لي سحاباً أبيضاً يحملني بطهر ، يلفُّ بي وشاحَ الفجر ليكوّن وتيناً متأصلاً فيّ كالياسمين معتقاً برونقِ الحرف ولا شيء يشبهه إلاي .
إنني يا رفيقة أعلم أن الحرف حينَ يضوّع بالحلمِ يكون سماويّ ، وحين تمتزجُ السماويّة بأرواحنا نهيمُ مبتعدينَ إلى الجنّة ، بالمناسبةِ يا رفيقة أودُّ ان أخبركِ أني مغرمةُ بالحرفِ ، وهو كذلك يبادلني الشعور لكنّ الصمتَ هو كلُّ ما يحيلُ بيننا ، و أهيمُ بهِ حينَ أغوصُ فيه ، ويكتبني طويلاً ، طويلاً جداً حتى أبتسم !
في الواقعِ يا رفيقة لا شيء في هذه الدنيا سيجعلني ابتسمُ كالحرف ، ولا شيء سيعتّقُ في قلبي كالحرف ولا شيء سيبقى مخلداً كالحرف ، إننا نؤمن بالحرف لأنه يتحدّث عنا ، يكتب قِصصنا ويروينا ، يبوحُ بما تكتمهُ الأحلامُ في صدورنا ويبتسمُ لنا كثيراً ، وسيجعلنا سعداء لا يُشبهنا شيء ، إن الحرف وإن كتبتُ في غرامهِ حتى النهاية سأكونُ منفياً بتقصيري !
-          يااااه ! حديثكِ طويل يبدو أن بداخلكِ الكثير !

لم انتهِ بعد ، في الجنّةِ حينَ ألقاكِ سأكمل حديثي !

كنتُ ادركُ أنني أحلم ، أن الأمر سراباً انها رأتني أو أنها حادثتني ، كنتُ ادركُ أنها أكملت عاماً في الجنّة ، و إني في محادثتها كتبتُ كثيراً ، و بحتُ بكلّ شيء ، وتيني تذكرتكِ ولم أحادثكِ منذ عام ، تذكرتكِ ولم نحتسي قهوةً معاً منذ عام ، تذكرتكِ وقد رحلتِ منذ عام .. في الجنةِ لُقيانا رحمكِ الله !



·        ضجةُ حديثٍ في محادثتها رحمها الله ..

هناك 4 تعليقات:

  1. اشتقنا لهذه الحروف الذهبية

    رحمها الله

    ردحذف
  2. سعدنا بعودتك...
    ستظل ضجة حديث كظل الياسمين الطاهر ...
    حفظكم الله وادام هذه الطهارة في كتاباتكم

    ردحذف
    الردود
    1. ادام الله سعادتك !
      و حفظكَ ربي كلّ حين
      شكراً نبراس

      حذف