" لا أحدَ يبقى ل أحد "
كانت تلكَ الوَداعية التي قلبتُ منها صفحةً
في حَياتي ، بقلبٍ منكسر ، همسٌ ضعيفٌ يحادثني : لا أحد .
الفَترة الزّمنية التي يبقى فيها أحدٌ معي
مهما طَالت ستنتهي ، سأحرص على أن لا يستندَ عليّ أحد ، لستُ معولاً للأحلام ،
ولستُ باقيةٍ لأحد .
تطلبُ مني الوَفاء ؟ من وفائي ألا أوهمكَ أني
باقيةٌ لك ، فلستُ لأحد ولا أحد لي.
عليكَ أن تفهم جيداً لم أخلق لأكون نصفَ أحد
، خُلقتُ واحد ، و سأضلُّ واحد .
الزّهرُ مهما طالَ ريحهُ يوماً ستذبل ، و
الشجرُ مهما لذَّ ثمره يوماً سيفنى ، والغيمُ مهما غزُرَ مطره يوماً سيسكن .
الريحُ مهما ناثرتْ رملاً يوماً سيُدفن ، و
الليلُ مهما طالَ في ارتعاشةِ الشتاء يوماً سيأفل .
الكلمُ مهما كانَ منسوجاً ببلاغةِ يوماً
سيُدثر ، و الفكرُ مهما تناقلهُ المعلمين يوماً سيَنسى ، و المرضُ مهما
أرهقَ الطفلِ الحزين يوماً سيشفى .
لا شيء يبقى يا صديقي .. لا شيء يبقى !
كلّ ما في الأرضِ فانٍ ، كلّ ما في المُزنِ
هاطِل ، كلّ ما في القلبٍ مكتوماً سيُروى يوماً ، وكلّ استنادات الحَياة .. يوماً
ستُكسر .
يا صديقي .. ليس البشرَ معاولاً حتى تعيشَ
مستنداً عليهم ، و ليسَت الأشياءُ من حولكَ عكازاً ستدفعُ عنكَ ألمك !
ليسَ الخلودُ مدوّنا في صدرِ هذي الأرضُ أبدا
.
ليسَت الدُنيا بقاءٌ يا صديقي : لم تبتأس ؟
ليستْ الأشياءُ تبقى ، و ليستْ الأحلام تَفنى
!
أنتَ ترحل ، غيركَ يولد تتبادلُ الأدوارُ في
رحمِ الحياة .
هل من أحد يبقى و يسكن يا صديق ؟
هل من أحد يوشمُ في قعرِ هذا الأرضِ باقٍ ؟
لا تبتأس .
لا أحد يبقى يا صديقي ، لا أحدَ يفعل .
كانت تقولُ : وحدهم من لا يَرحلون ، وحدهم من
يسكنونَ قلوبنا سكناً عميقاً ، وحدهم باقون في
أرضِ الفَناء ، وحدهم لو أنّ هذيِ
الأرضُ تحدّثت همست هم أخيارنا .
كانت تُحاكيني وتبكي : لا تقولي لا خُلود ،
فحروفهم قد دوّنت ، و حديثهم يبقى فوقَ الغيمِ محفوظاً .
لا شيء يبقى إلا ياسمينَ الطُّهر محفوراً
بهمسِ الفَجر ، إلا أحاديثُ الإلهِ بعينٍ خضّبها الخشوعُ ، إلا صلاةٌ من سكونِ
القلب تنادي بصدرِ الكون : يا الله .
لا أحدَ يبقى يا صديقي إلا الجنّان ، إلا
الرحيلُ إليها بحبٍّ .
لا شيء يبقى غيرَ فرحٍ كُتبَ للجناتِ يمضي .
لا أحد يبقَ يا صديقي ، لا تَنتظر !
ابقَ بجانبِ من كان لكلّ أحد .
من طمئن قلبينٍ بوسط الغار و يقولُ لصاحبِه :
لا تَحزن إن الله مع معنا .
اللهُ وحدهُ يا صديق ، دائماً لنا ومَعنا .
اللهُ وحدهُ فابقَ طوالَ الوقتِ معهُ يا
عزيزي .
اكتب بوسطِ حديثكَ الليليّ حرفاً لا ينتهي :
لا أحدَ يبقى إلا حديثَ الله ، و دربُ الزّهر للجناتِ يمضي .
وغيره ؟ لا شيء يبقى ، و لا أحد .