الخميس، 7 أغسطس 2014

هَلوسة فَجر .. 6




في أحرفِ كلّ شغفٍ كان في هذهِ الحياةُ تمتماتٌ لم تُروَ بعد ، و بين هذه التمتماتُ التي لا تنتهي كانت التعاويذً تضلّ تُسردُ عليّ ، وبينما كبرتُ أصبحتُ أفتقدُ تلكَ التعاويذ التي تَحمي قلبي من كلّ شيء ، تحميني من همسٍ قد يؤرقني ، ومن هلوسةٍ قد تتثاقلُ عليّ لعنتها فتؤلمني ، و خلفَ كلّ التعاويذ و لعناتُ الفرح التي تحتويني كلّ حين ، يقفُ أبي شامخاً خلفهاً بفَخر ، و لأن أبي هو الرجلُ الذي لن يكتب التاريخَ مثلهُ كنتُ أتمتمُ كثيراً يا الله بهذه الملائكيةِ اجعله في جنانكَ العُظمى ، و لأن سماويّة أبي لا تُشبهُ أي شيئ كان عليّ أن أقتدي بهِ في كلّ شيء أن أقولَ هذا أبي و أكتفي به في الحبّ وفي كل شيء .


وكأنني كنتُ احسبُ ان طَوقَ التوليب الذي وضعه أبي فوقَ شعري البنيّ الطويل ، بعد أن أزاح الخصلات المُزعجة عن عينيّ تلكَ التي يراني أنفخُ فيها لتبتعدَ و تعودُ لمَكانِها و تُزعجني بينما لا أشتهي رفعَ يدايَ من بين رسمتي و ألواني هو طوقُ سَعادتي ، و كأن همسه الطويل ذاكَ في أذني ( بسم الله عليكِ يا ابنتي من وجعٍ يُرهقكِ ) كانت التعويذة التي تَجعَلُني أمارسُ الفرحُ فيها بكلّ أشكاله على أرجوحةٍ ما صَنعها أبي على جذعٍ شجرةِ البيذام الكبيرة ، أبي هو من كان يمتلكُ التعاويذ التي تحميني ما حَييت ، و تلكَ التي تأخذني لفرحٍ مضوّعٌ بالتوليب ذاكَ الذي يجعلني أهيمُ في حبهٍ عميقاً ، و أفرحُ بكلّ شيء .


و إنني حينَ أتحدّث عن جمالِ ابي ، أتحدثُ عن ذاك الشيب في لحيتهِ الذي يجعلهُ وسيماً جداً لا شيء يشبههُ سوى تلك الشعرات البيضاء الكثيفة التي تحكي قصةٍ عظيمةٍ خاضها و تجعلهُ وسيماً جداً بنظارَتهُ تلك ، و إن ابتعدتُ عن سطحيّة الحُب المكمون في تلكَ الضحكات التي تجعلني بخيرٍ من كلّ شيء فإنني أتحدّث عن حضنهِ الحنون الذي يُخرجنا من كلّ وجعٍ ومن كلّ شيء ، ويبدو أن حنان أبي الذي يحمينا من كلِّ وجعٍ و ألم و دلالهُ لنا في كلّ ما نشتهي ، وكم كان يزرعُ فينا الفرح قلبُ أبي الذي أزهرَ عميقاً فينا .


أبي و تلكَ السماويّةُ فيه الذي تجعله فخورٌ بنا جداً مهما صغرت أمورنا ، و كأنه حين يجلسُ بجانبي أحياناً وعلى كيبوردي أكتب شيئاً ما كانَ يحتضنني إليه و يبتسم و حديثهُ السعيدُ ذاك ، و كدلاله الذي أغرقنا فيهِ حدّ الترف ، حدّ الإفتخارُ بكوننا أبنائه ، حدّ ذاكَ الذي يجعلني نحملُ رايةً التفوّق أينما كنا ، وكاقتداءٍ به نحنُ مبدعينَ في كلّ ما يوّكل إلينا ، لأننا أبناء رجلٍ عظيمٍ في سنّه الأربعين يُقولُ لنا الكثير أننا محظوظين به ، و لأني أدركُ اني أبي سيصبحُ خمسينيّ العمر قريباً فلا تهمني تلكَ الأرقامُ أبداً ما دامت حكمتهُ هيَ النبع الذي نرتوي منه كلّ شيء ، إلا أن الأرقام تلكَ ترهقنا من خوفِ الفقد الذي لا أرانا الله إياهُ فيه يوماً .


و إن طالَ الحديث عن ذاك الجمال الذي لن اكتفي ابداً من الهلوسةِ عنه لن أتحدّث أبداً يوماً عن عدم رفضِه لما اشتهته أنفسنا يوماً إلا إن كان السبب قد يضرّنا بشكلٍ من الأشكال ، و لأن وداعُ أبي سيكون حتمياً لأغيب عنه لما يقارب الشخص فإني حزينةٌ جداً قدرَ فرحي بالسّفر لأن لا شيء كحضنِ أبي يحميني من كل شيء ، ولا شيء كأطواقُ الفرحِ من أبي التي تجعلني أحلقُ عالياً دونَ اكتفاءٍ من الفرح ، أطال الله في عمرِ هذا الحبيب وحفظهُ من وجعٍ قد يُرهقه ..


هلوستي لهذا اليوم كما يُقال أن كلّ فتاةٍ بأبيها معجبة فإنني هائمة في حبِّ أبي حدّ الترف ، فاعذروا هلوستي المجنونة قليلاً ، فاحتوو أبائكم و مثلهم لا شيء ، اسعدوهم فلا أحد مثلهم يستحق ، وعلى ضفافِ الفردوسِ اجعل لقائي بأبي يا الله وبكلّ من عرفت ، و إياكم ، وكونوا بخير ..


هناك 8 تعليقات:

  1. حفظك الله اختاه

    راقت لي حروفك

    ردحذف
  2. دعيني امتع ناظري بل و روحي بكلماتك العذبة ،
    أعجز عن وصف اعجابي بما خطته أناملك
    ف هنا يكمن تبادل الحب الصادق بين الأب و ابنته
    و ما أعظم حب الوالدين !

    ـــــ لحروفك وقع خاص ~
    وقع يلامس قلوبنا و يحرك ما تكنه من مشاعر
    فقد التمست حقاً إعجابك و تقديرك بوالدك
    حفظه الله لكِ و جعل له نصيب من جنات الخلد

    تقبلي كلماتي بين متصفحك

    ردحذف
  3. همس المقاتل9 أغسطس 2014 في 10:58 م

    الأب أول بطل لأي ابنة خصوصا لو كان بطل فعلا
    رحم الله ابائنا واسكنهم جنة الخلد

    ردحذف
    الردود
    1. بالضبط !
      ") يا رب و جمعكم في الفردوس الأعلى آمنين مستقرين

      حذف
  4. لا احد يمنحك السعادة بلا مقابل اكثر من الأب.

    ردحذف