الأحد، 30 أغسطس 2015

في الجنّة تُثمر

على حافةِ الحلمِ كلما نمنا استيقظنا نشهقُ بسرعةٍ وكأننا نسقطُ من طابقٍ مرتفعٍ جداً إلى ظلمةِ لا ندركها ، ثمّ نستيقظُ فزعين نرددُ " بسم الله الرحمن الرحيم " بحرفٍ يكادُ يأكل الذي بعده من الخوفِ الذي يلتبسنا ، وكلما حاولنا أن نعاود النوم يلمسُ هواء المكيفِ ورقةٍ من على الأرفف فتتحرك فنرتجفُ في مكاننا خوفاً محركين أعيننا يمنةً ويسرة في تلكَ الظلمةِ الدامسة ليلاً .

الأمرُ أشبهُ بفقدِ عزيزٍ كلما أتى الليلِ بكينا للهِ ألفاً دونه نرجو لقائه ، أشبهُ بأمنيةٍ كلما اقتربنا منها نمدُّ أيدينا لنمسكها تطيرُ كالفراشِ المبثوث عنّا مبتعدة ، أشبهُ بأرضٍ خاويةٍ على عروشها إن نبستَ ببنتٍ شفةٍ يترددُ صداه همسكَ كأن جبلاً انهارعلى تلكِ الأرض .

كطفلٍ عاد للحديقةِ ذات يوم ولم يجد أرجوحته المفضلة في مكانها ، فاشتدّ بكائه رغبةً بها ، وهو مجبرٌ على الإعتيادِ في كلّ مرةٍ بالعودةِ دون أن يجدها يمارسُ الفرحَ فيها كما كان يفعل منذ أن تعرّف عليها .

الأمر حينما لا نكتب أشبهُ بالهبوط لعمقِ الحياة بحثاً عن لؤلؤٍ يجعلنا سعداء دونَ أن نحمل اسطوانة اكسجين ، فتقطعُ أنفاسنا شيئاً فشيئاً غرقى في هذه الحياة بعيدين عن درةٍ تجعلنا سعداء لا يشوبنا شيء ، لكننا ببساطة غرقنا في الحياة !

العودةُ للكتابةِ أشبهُ بشهقةٍ نأخذ منها قدر ما نستطيع من الفرحِ و الحياة ، وحلم طالما راودنا أن نكتب للأبد ، الأمر أشبه بزهرةِ توليب في صحراء قاحلة لم تعرف المُزنَ يومأً ولم يمرّ عليها ، أشبهُ بشهةِ الحياةِ الأولى لجنينٍ رأى مشهد الحياة للمرة الأولى .

أشبهُ بفرحةِ طفلٍ لمشهدَ والداه يصفقان له على خطواتهِ الأولى دون سقطةٍ مؤذيةٍ تبكيه خلالَ فرحته ، الأمر أشبه بشعورٍ أعظمُ من أن يوصف ، لكنه جداً جميل .

على نورِ القمر كانت تتكئ على أرجوحةٍ تطيلُ الحديثَ معي فيها بحمى تُسكرها كلّ مرة لكنّها تحبها جداً وتراها حنونة ، كانت تقولُ لي أن هلاميّة الحياة مزعجةً لها ، و تحكي لي عن تلك الحمى التي ترهقها ، وتحكي عن خوفِ والديها الذين مهما حاولت أن تقنعهما أنها بخير ، يبقان قلقان رُبما من هذيانها .

على نورِ القمر حديثٌ ليليٍ من أمام النافذة بحلمٍ يكبرُ كلّ ليلةٍ ، وكلّ ذكرى تنسجُ خيطاً يكملُ الذكرى التي تسبقه ، على عتباتِ الليل حينما ينتهي يكتبُ القلمُ حلماً يكبرُ في صدري ، حلما أمضي فيه ، وحلمٌ يسردُ على ضوءِ القمرِ كلّ مرة ، حلمٌ لو نهشني نهشاً لسعيتُ إليه أمضي بفرحٍ ، بشوقٍ كاد يقتلني ، إلى الجنّة .

مرّ شهر كدتُ انسى فيه مدونتي ، التي بقت على سطحِ الهاتف ترجو نقرةِ اصبع لكنِّ اتجاهلها في كلِّ مرةٍ فتحتُ هاتفي ، لم أكن منشغلةً بشيء ، ولم أكن أتجاهلها ، ولم أكن لا أستطيع الكتابة ، لكنِّ لا أريدُ الكتابة ، ولا أعلم الأسباب .

مرّ شهرٌ زارني الفرحُ فيهِ مراتٍ ومرات بحمدٍ من الله ، مرّ عليّ مرةً كنتُ فيها معلقةٌ بينَ السماءِ و الأرض ، بجوارِ أبي ، ومرةً كنتُ على مكتبي أنتظرُ الفرحة تلك ، مرّ شهرٌ لم يترك الله فيها رجاء عبده ، مرّ بكلِّ أشيائه أمسكُ القلمَ مرةً أخرى لاكتب .

أظنني قلتُ مئات المرات " من يكتب مرّة لا يستطيع عدم الكتابة بعد ذلك ، الأمر أشبه بموتهِ تدريجياً ، الأمرُ في دمهِ كمسٍ لا شيخَ يقرأ عليهِ و يرقيه و يشفى منها ، الأمرُ يكادُ يكون ضمن كروموسومات الخلايا الأم التي مهما حاولنا أن نتخلّص منها فهيَ منا وفينا " .

   " إن ما نسعى إليه .. يسعى إلينا " ، إن حُلمي حينَ يكبر داخلي ، يُزهرُ بالحبِّ أكثر ، إنني في يومِ مطرٍ أزهرت روحي حروفا ، ها هيَ الآن ربيعاً ، وغداً في الجنةِ تَثمر .


هناك تعليقان (2):

  1. في الجنة تثمر ... احببتها . بارك الله في قلمك ونفع به الامة ووفق دربك .

    ردحذف
  2. ربنا يسعدك ويوفقك يارب

    ردحذف