كانَ لديّ حُلماً ذاتَ يوم أن أكون طبيبة ، وكان والدي لا يُناديني إلا
بالطبيبة ، حتى قررتُ فجأة أن أدرس العلوم السياسيّة ، تعلّقتُ بها وتمنيتُ
دراستها حتى أخبروني أنه من المُحال أن أدرس تخصص متعلق بالسِياسة .
حاولَ والدي إقناعي بالدراسة في كلية التربية ، كان قرار اختياري للتخصص
الذي أدرسه تخبطاً كبيراً بالنسبةِ لي ، في سنتي الأخيرة في المدرسة كلّ يوم أجولُ
في تخصصٍ أقولُ أنني سأدرسه رغمَ أني طوال حياتي أردد أني سأدرس الطبّ او متعلقاته
ومع ذلك كنتُ في حيرة ، وكل طالبٍ في الثانوية يدركُ يقيناً معنى التخبّط في ألفَ
تخصصٍ وتخصص وفي حيرةٍ من أمره .
حينَ حزمتُ قراري بدراسةِ تخصصٍ متعلقٍ بالطبّ لكنَ ليسَ الطبّ نفسه اتخذتُ
من المُختبراتِ الطبيّة حلماً لكنِّي لم أُقبل فيه ، ولم يؤكد لي أحد أني قادرة
على تغيير تخصصي إلى المُختبرات الطبيّة ، فكما يقولُ الجميع أنه من بين ما يقارب
المئة طلب قد يُقبل واحد أو اثنين أو لا أحد .
بعد عامٍ من الجهادِ لأجل ذاك الحُلم كنتُ و بكلّ فخر الوحيدة التي قُبلت
في التخصصِ الذي حلمتُ به ، والذي كان يكبرُ داخلي كلّ يوم مجداً أستفيق به ، كنت
قد رفضتُ فكرة دراسة أي تخصص آخر وكان الحلمُ يكبر داخلي وبتوفيقٍ من اللهِ أنهيتُ
عاميَ الأول في دراسة المُختبرات الطبيّة .
عموماً هذا ليسَ ما كنتُ أنوي التحدّثُ عنه فلم أأسف يوماً على حزم قراري
بتخصصٍ متعلّق من الطبِّ ولم أندم حتى اللحظةُ التي أدركتُ فيها أنني من القلةِ
التي يدركونُ تماماً بوجعِ حبيبِ القلبِ وهو موضوعٌ بينَ الأجهزة والوجع في غرفةِ
العناية المركزة .
ذاكَ الشّعور والوجع والقلق ، لم أفكرُ يوماً أن هذا الثمن لإدراكي يقيناً
بالألم حوله ، بوصفِ الأطباءِ للوجع الذي أدركُ يقيناً ما يعني ، أو عن مشاكلهُ
الصحيّة التي ترهقه ، إني آسفة جداً لأني أفهمُ كلّ تلكَ التفاصيل وليسَ بمقدوري
شيء !
إني أعلمُ معنى مستوى نبضاته العالية في الجهاز الذي لمحته عند زيارته ،
وضغطه المرتفع و الإجهاد الذي يصاب به ، أدرك أن قلبه يوجعه ، آه يا حبيب القلب .
حينَ تضيقُ بي الممرات في المشفى حينَ أعبرهُ بمعطفٍ أبيض كما تمنيتُ
طويلاً ، و أن تسكن كلّ الأصوات حولي و أن يهمس جواري : إنه مُرهق .
ليتَ شغفي بالتخصص يحتويني ، ليتني هذهِ المرّة أيضاً أقعُ في غرامهِ مرةً
أخرى ، ليتَ المعطفَ الأبيض دفءٌ من المشاعرِ الجامدة التي احتوتني تلكَ اللحظة ،
يضيقُ العالم حينها في منظرِ الفراشِ الأبيض وهو نائمٌ فيه وبجسده الطاهر أجهزةٍ
مُزعجة .
في المقابل يبقى دراسةِ الطبّ ومتعلقاتهِ مواساة من منظرِ الوجعِ ، و
الإدراك يقيناً بالتفاصيل التي تبدو بخير ، و التحسّن البطئ الذي قد لا يلاحظه و
يفهمه أيّ أحد ، وأن قول الأطباء : هوَ في تحسّن ، يعني أنكَ تدرك مدى ذاك التحسّن
أكثر من أيّ شخص .
أنتَ و ذاكَ المعطفُ دفء حينَ يشعرُ أنك تفهمُ وجعهُ تماماً ، ويشكو لكَ
كالطبيب وتطمئن أكثر ، أنتَ وهو يحكي لكَ كلّ التفاصيل التي يروي فيها كلّ ما قاله
الطبيب باحثاً عن من يطمئن الجميع عنه .
عموماً عاطفةٌ مُرهقة .. و قلبٌ ممزقٌ بالوجعِ ، و حبيبُ القلبِ هناك ..
ربي اشفهِ شفاءً لا يغادرُ سقماً ومرضى المسلمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق