السبت، 9 مايو 2015

حقائق مَكتومة .

رَفعتُ رأسي عن ورقةِ الإجابةِ ألتقطَ قلمي الرصاصُ الذي سقطِ بحركةٍ بسيطةٍ من يدي ، رأيتُ المُراقبة تشرح لطالبٍ على يساري ، تنّهدتُ مادةً يدي للأمام محاولةً التخلصُ من وجعِ يديّ لطول الأسئلة ، رأيتهُ يمدُّ بيدهُ لصديقهِ يتبادلانِ ورقة الإجابة لمادةِ التحليلاتِ الطبية ، سُحقاً أهذا جلّ همكم ؟

رغمَ محاولتي لتجاهل الأصوات حولي في امتحان علم المناعة المقرر الأصعب بالنسبةِ لي كان لا صوتَ سوى حركةِ الأقلام وتصّفح الأوراق بالنسبةِ للمراقبين ، بالنسبةِ لي كان التخلّص من همسِ أصواتهم التي كانت أشبهِ بحركة حشراتٍ في ثنيّات دماغي ، في محاولة لتجميعِ الشتاتِ في آخر الوقت ، كان الغشّ مُقرفاً ومزعجاً ، و قاتلاً بالنسبةِ لحالٍ سنكونُ عليه .

مددتُ يدي ذات مرّة في نهاية المحاضرة في الدرجِ لأخرج أوراقي ، سقطت وريقاتٌ صغيرة ، قرأتُ ذاك الخطّ الصغير لأجد الأمراض التي تسببها " streptococcus , staphylococcus  " ما هيَ إلا بكتيريا علم الأحياء الدقيقة ، يبدو أن أحد الطلابُ معنا هو وضعها ، وأنا أدركُ جيداً من كان جالساً في تلكَ الطاولةِ خلفي وقت الإمتحان !

أولئك الذين اشمئزت منهم نفسي ألفَ مرةٍ و مرّة ، هم نفسهم الذي سيبقون في مُختبراتِ مشافينا ، للكشفِ عن الأمراض ، هم نفسهم المتهامسينَ وسط الإمتحانات ، المستغلين وقتهم في تعلّم الكتابةِ بخطٍ صغير ، أو قضاء وقتٍ طويل في التخطيطِ لأماكن جلوسهم في مكانٍ يسمح لهم جيداً بالغشّ ، و هم وعقولهم التي تبقى فارغةٍ من أدنى معلومةٍ قد تحيي مريض .

أدركُ جيداً أنّ 90% من الإمتحانات التي خضعتُ لها في هذا التخصص وصلتني قبلَ الإمتحان في مجموعةِ الدفعة ، وكأننا ندرسَ تخصصٍ طبيّ ، لننجح!

أنا لا يهمني الحصول على معدلٍ عالٍ و روحُ انسانٍ ستموتُ بينَ يديّ لأن عقلي مجرّد من أي فكرةٍ قد تحيي حياته ، أو أنني لا أقومُ سوى بالخضوعِ للامتحانات لأفرغ كلّ ما في عقليَ الباطِن في ورقةٍ سُتمزّق بعد ذلك .

رأيتها تلكَ المرّة في غرفةِ النسخِ تنظرُ إليه يقوم بتمزيق كلّ الأوراق ، تقولُ أن عليهم تمزيق أوراقِ امتحان الدفعةِ الماضية قبل أن تخضع الدفعة الحالية للامتحان ، وفي نفسي أقول وكأننا لا تصلنا الامتحانات التي لا يُغيّر منها سوى سؤال أو سؤالين !

وفي نفسي ألفَ تساؤلٍ وتساؤل من المسؤول هذه المرّة : الطالب ؟ أم المعلم المتخاذل عن كتابةِ اسئلةِ امتحانٍ جديدة ، وقد حفظ الطلاب الماضين اسئلته فامتحانه لم يتغيّر منذ خمس سنواتٍ خلت .

رغمَ كلّ ما يحدث هُناك عقولٌ ترفعُ لها القبعة لتميّزها وعلمها و حملها الأمانة بمنتهى الجديّة ، رغمَ ذلك ليسَ طلابُ تخصصي الوحيدين المُتهمين بهذه الجريمة ، فإني أرى أوراق الإجاباتِ تتُناقل و الحلول تتبادل ، و كلّ المشاريع و البحوثِ تنتقلٍ بينَ طلابِ دفعةٍ يفكرون في أنهم مضغوطين جداً ، لا يُمكنهم القيام بأعمالهم بمفردهم !

الغش وإن كانَ منتشراً بينَ الطلبةِ في المدارس والجامعات والكليات ، و الذي يعلمُ الجميع أنه محرّم ، و علّتهم " وتعاونوا على البر والتقوى " و كأن الحصول على درجةٍ عالية برٌ وتقوى متجاهلين تكملةِ الآية " ولا تعاونوا على الإثمِ والعدوان " ، عقابهُ يجب أن يكونَ أقسى من حذفِ 50%من درجاتِ الطالب في امتحان ذاك المقرر !

العجيبُ أحياناً ان المُراقب يلحظَ الغشّ ومع ذلكَ يتجاهل ، و كأنه بذلك قد أنقذ طلابهُ من الوقوعِ في كمينِ أسئلتهِ رُبما ، أنا لا أعلمُ حقاً ما الهدفِ الرئيسي من التجاهل ، رُبما رغبةً في التخلّص من الطلاب و دفعهم للتخرّجِ بأقصى سرعةٍ ممكنة ، أما عن بعض المراقبين يكلفون على أنفسهم قليلاً بالقولُ " ركزّ في ورقتكَ يا فُلان " ، ليدرك ذاك الفُلان أن محاولتهُ تلكَ الغشِّ فاشلة وعليهِ المحاولة بشكلٍ آخر ، أو بطريقةٍ تمكّن المراقب من تجاهلها !

يبقى السؤال مُحبطةً إجابته في كلّ مرة ، متى يشعرون بالمسؤولية تجاهِ الأرواح التي يُحملّون مسؤوليتها ؟ ومتى يحاول المُعلم أن لا يكرر الإمتحان نفسه باذلاً من الجهدِ القليلِ بكتابة امتحانٍ مختلف ؟ ومتى تُشدد الإدارات تعاملها تجاه الغشّ ليسَ كأنه أشبهُ بتناولِ العلكةِ في وسطِ المحاضرة ؟


سؤالٌ ممزّق المُعالم : مُستقبلُ الطبِّ إلى أينَ يتجه ؟ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق