الاثنين، 13 فبراير 2017

كنتُ طفلة .. وكنتُ أعتقد



كنتُ طفلة عندما كنتُ على يقينٍ تام أن الجنّة واقِعة خلف باب الكعبة، وكنتُ اتأكد من معلوماتي في كلّ مرة أرى فيها صور الحجاج و هم يرفعون أيديهم على باب الكعبة، و كنتُ أُخطِطُ أني حالما أكبر سأذهب إلى مكة، وأبلغ الجنّة.

وكنتُ أعتقدُ إعتقاداً تاماً أننا ما دُمنا نشهد أن لا إله إلا الله، فإننا جميعاً سنجتمعُ في الجنةِ دون أدنى شك، و أني في الجنّة سأجدُ شجرة ورد، فأنا أحبُّ الورد، فحضوره لا بد منه ما دمتُ الجنّة، و كنتُ أؤمن أن أفضل ما في صلاةِ الجمعه دعائها، لأن صوت أبي كان يصدحُ في المنابرِ وهو يدعو.

كنتُ من ناحيةٍ أخرى أظنُ أن لمصابيح الشارعِ آلاف المفاتيح في جدارٍ كبير، وأنه في مكانٍ ما هناك آلاف العُمال الذين يجتهدون كل يوم لإنارتها في اللحظةِ ذاتها، و كنتُ أتخيل أن يرددون جميعاً معاً: واحد .. اثنان .. ثلاثة، و تُنارُ المدينة لحظتها مرةً واحدة.

كنتُ أعتقدُ أن الكتّاب هم أكثر الناس حظاً، يليهم الرسامون، و كنتُ سيئةٌ في كلاهما، و كنتُ أعتقد أن معلمة الدراسات الإجتماعية هي الأكثرُ رعباً في الحياة، و أن الوقوف في ساحة الطابور أولاً هو المشهد الأكثر قلقاً، وكنتُ أعتقدُ أن الثانوية بعيدةً جداً لدرجة أني سأموت قبل بلوغها، و أن معلمة الرياضيات هي الأكثر ثراءً على وجه الأرض.

كنتُ أصدقُ تلك القصص التي تروى عن الجثث التي تُحرّكُ أيديها خارج قبورها في المدرسةِ الواقعة خلف المدرسة، وأن هناك عصابة سوف تحقن الأطفال بفيروساتٍ مميتة، وأننا كعادة محاور الكون: مستهدفين من كل العالم.

كنتُ أظنُّ أن الديناصورات ستعودُ عندما تنقرضُ البشرية، وأن السنافر تعيشُ في الغابة. الغابة البعيدة التي لم نزرها لكنها تقع في نفس الحدود الجغرافية التي أعيشُ فيها، وكنتُ أظنُّ أن المطر هو نتيجةِ عصرِ الغيم بيدِ أحدٍ ما، وأن الزلازِل التي شاهدتها في التلفاز هي نتيجة غضبِ الشيطان لأن الناس لم يطيعوا كلامه، فهزّ الأرض تحت أقدامهم، و أن الثلج الذي لم ترَ بلادي ذرةً منه، لم يتواجد إلا في محطات التلفاز.

كنتُ أظنُّ أن الأصدقاء هم الذين يبقون معنا للأبد و أنهم سندنا السرمديّ، تأكدتُ انهم كذلك سوى أن العائلة هم الأقرب من الأصدقاء، وأنهم عُكاز الحياة.

كان أبي يناديني بالطبيبة كثيراً، حتى حلمتُ بهِ طويلاً، وكنتُ أعتقدُ أن الطب مجرّد معطفٍ أبيض، و دراسةً للكتبِ لا تنتهي، كبرتُ وذاك الشغف في قلبي. كبرتُ وخذلتُ كل أحلامي أبي فيّ، لم أدرس الطب!

في لحظةٍ ما أخبرني أبي أنه فخورٌ بي، ولا زال أبي يناديني بالطبيبة رغم دراستي للطبّ الحيوي لا البشري! وأدركتُ يقيناً أن إيماني وأنا طفلة أن أبي أكثر من يؤمن بي، هو إيماناً أبدياً حتى أموت، بل أنهُ لا يَفنى.
.
.
.

شاركوني بإعتقاداتكم وأنتم صغاراً.

هناك 3 تعليقات:

  1. يا سلام تدوينة جميلة جدا.
    ، و أن الوقوف في ساحة الطابور أولاً هو المشهد الأكثر قلقاً، " أنا أيضا أظن ذلك.
    أستطيع أن أشم رائحة الورد الذي زرعه والدك في قلبك من خلال هذه التدوينة.

    ردحذف
  2. كلمات مُنسجمه و رائعه... حقاَ كنّا هكذا 👌 " كنت طفله.. و كنت أعتقد"

    ردحذف
  3. تنتقين حرفك بعناية فائقة أهنئك على نجاحك..

    "كان أبي يناديني بالطبيبة كثيراً، حتى حلمتُ بهِ طويلاً، وكنتُ أعتقدُ أن الطب مجرّد معطفٍ أبيض، و دراسةً للكتبِ لا تنتهي، كبرتُ وذاك الشغف في قلبي. كبرتُ وخذلتُ كل أحلامي أبي فيّ، لم أدرس الطب"

    وكأنني رأيت نفسي في هذا المقطع..


    ردحذف