الجمعة، 2 ديسمبر 2016

معطفٌ أبيض - ٤ ( إلى غدير )

إلى غدير بنت بدر أولاً، و كل من يقرأ بعدها ثانياً.

 و أعلمُ أنكِ انتظرتِ طويلاً و ارتقبتِ كثيراً لكنِّ كنتُ في غياهب الصمت، و كنتُ انتظرُ مطرَ السماء حتى اكتب فلم تفعل، و لم أستطع على الصمتِ صبرا، و إني قد قلت لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين، و أتيتُ على آثاري هذهِ اكتب قَصصا.

كنتُ في الثامنة عشر من عمري و أنا أترجفُ بين حُلمين، و كنتُ وقتها أريد ما لا أريد، و أريد البقاء على طمأنينةِ و أحطُّ في سلام، و كنتُ اكتب كثيراً لأتخيّر أحد الحلمين حتى أتاني اليقين بالمضي حتى الوصول، و إن الطريق ذاك أظلم ثمّ أضاء، ثم أظلم و استسلمت، و متُّ بسلامٍ ثم استيقظتُ على نور فجرٍ لا ينجلي.

إلى غدير حين قالت: إني على يقين أن ما كتبتِ كان السبب في اختياري لتخصصٍ متعلقٍ بالطب (غدير الآن طالبة طب).
إلى أبي حين أخبرني أنه فخورٌ بي.

وإلى الأحلام التي تروى صباح كل يوم.

و إلى كل من كان يحلم حينما طرحتُ سؤالي بماذا تحلمون.

كان المكان هادئاً جداً بينما كان الجميعُ يتحدث بصوتٍ عالي، كانت سكينةُ الكون أُلقيت في صدري متجاهلةً كل الأصوات الخاشعةِ التي تتحدث بلا صمت، و كنتُ استمع لصوته فقط، دون أي صوتٍ آخر و هو يقول: ثمّ يموت.

الأمرُ لا يبدو هيناً أبداً و أنت تقف على مسمع الخمسين فرداً و تحكي قصص الموت واحدةً تلو الأخرى، و لا يبدو المشهد لطيفاً أبداً عندما تتحدث عن أبسط خطأ من الممكن أن يذهب ضحيته أبٍ لأطفال، أو ابنٍ وحيد لعائلة، أو جدة لخمسين حفيد، أو أمٍ لخمسة أبناء، المشهد لا يكون لطيفاً أبداً مهما كانت الوجوه كلها مبتسمة و هي تستمع.

أنا لا أفهم حقاً شعور الطبيب و هو يلقي دعاباتٍ مضحكة بعد ذكر الموت نفسه، إما أنه يطبطبُ على قلوبنا، أو أنه يواسي نفسه.

مشهد الموت يصبحُ اعتيادياً فجأة، يصبح كأنه لا شيء، يمرُّ مرور العابرين، لكنّه لا يفعلُ أبداً، نبرة الحزن لا تفارقه، ابتسامته تختفي و عيناهُ تصغر و يتنهد بعدها دائماً، إنني أشعر أنه يجبر نفسه دائماً على ذلك، و الأمر يصبح أصعب في كل مرة، مهما بدا سهلاً فهو ليس كذاك.

إلى الهاربين جميعاً إلى ما خلف الكواليس، أنا معكم عندما ترجفُ الأحلام، و تكتب الأقلام، و تعيد القلوب التفكير ألف مرة، أنا معكم في الإجابة السريعة دائماً نحن لا نقابل المرضى، و أحذفُ النص الآخر ليبدو مفقوداً نحنُ تصلنا آلامهم فقط. دون أي شيء آخر.


يُتبع.

هناك 3 تعليقات:

  1. جميل .. كل التوفيق لها ولك

    ردحذف
  2. أعجبتني

    نحن لا نقابل المرضى نحن تصلنا آلامهم فقط ��

    بالتوفيق استمري ف الإبداع ��

    ردحذف
  3. أحب روحك التي تتألم مع كل حالة جديدة ولا تعتاد الألم أو تتعامل مع أجزاء الإنسان وكأنها براغي ومفكات. سلام عليك نهى.

    ردحذف