الثلاثاء، 19 أبريل 2016

تنّفس بأحلامك ، عامٌ ثالث

لقد غيّرت الكتابة مجرى حياتي كُليّاً ، غيّرت كلّ خليةٍ مني جذرياً ، أعادت ترتيبِ حياتي ، و غيّرت مواقع كروموسوماتي حتى تُصبح مختلفة بشكلٍ لا يُكتب ، لم أهدف إلى الشهرةِ أو أيُّ مَكسب ، لكنِّ أريدُ أن أحيا حرفياً .


طقوسُ الكتابةِ تمرُّ عليّ أشبهُ بغيمٍ يتجمعُ فوقَ صحراء قاحِلة من الشّعورِ لتُمطر ، ثمّ تتذكر أن هذه صحراء لا حياةَ فيها فيتوقف الغيمِ ليحفظ ما تبقى من زهرٍ لحياةٍ أخرى ، أشبهُ بمرحلةِ البقاء في تابوت لساعات في خوفٍ و خشية لأننا متنا دون أن نفعل شيئاً يُذكر في حَياتنا ، ثمّ نستيقظُ فجأة ليس من كابوسٍ عنيف و إنما في قبرٍ مُخيف لأن الأطباء لم يقدّروا احتماليةِ انخفاض دقات القلب للمستوى الذي لا يُشعرُ بها ، و إنها أشبهُ بالأرض التي تدور حول الشمس دون أن تتأمل مسارها كما نفعلُ نحنُ البشر حين نمشي على صفائحٍ متتاليةٍ من الرخام في مسارٍ طول محاولين تجنّب حدود الصفائح .


إنها أشبه بمضادات تجلّط المَشاعر حتى لا تُسبب تخثراً في الدمِ يؤدي إلى انتفاضةِ مناعةِ الجسم مثيرةً فينا الكثيرُ من الريبةِ و الشكّ ، إنها تدفعنا لأن نقوم بالتأكد من مستوى الهيموجلوبين في الدمِ للتأكد أنها لم تقم بإبادةِ خلايانا الحمراء في سبيلها ، إن هذهِ الطُقوس لن يصفها أي مصطلح طبي مهما حاولت أن أبحث بين كلّ الكتب و كلّ ملاحظات المُحاضرات ، إنها طقوس لا تشبهُ أي طقس ، و لا تشبهُ حتى مور أخدودٍ جويّ قد نزهرُ بعدهُ ألف عام ، في الحقيقةِ إني أبالغُ قليلاً بالوصفِ لأنهُ و كما أسلفتُ سابقاً أن هذا الطقس بالتحديد لا يُوصف .


الكروموسوم الرابع عشر في الموقعِ الرابع و الثلاثون ، الكروموسوم الخاص بأولئك الذين لا يَرون الحياةِ إلا مُلهمة فيتأملون حركةِ النمل وسط قطيعٍ من البقرِ بعد مشاهدةِ ولادةٍ عسيرة لقطةٍ بيضاء شيرازيّة ، لأولئك الذين يتوهّجون في العالم فرحاً ، ويضحكون حتى يقعون على الأرض ضحكاً من مقطعِ فيديو لحلزونةٍ تحاولُ شربَ الماء ، ثمّ يمشون بطريقةٍ مدروسةٍ مُبرمجة كتحرّك الألبومين حاملين كتبهم لتحضر المحاضرةِ دونهم ، بينما هم يتشاركون مقطع الفيديو مع أصدقائهم و يستمرون في الضكِ الهستيري بوِحدة ، ثمّ  يأتون و ينتقدوا المَجانين وكأنهم ليسوا منهم .


الكتابةِ صفة وراثية على مُكتسبة ، إنها تنتقلُ عبر الأجيال تكون إما حاملاً لها أو مُصاباً بها ، إنها تنتقل وتوّرث بمثلِ الوراثةِ المندلية ، إنها قد تكون جيناً صامتاً أو قائداً ، إما تقودك أو تموت بداخلك ، إنها تنتقلُ إلى أبنائك و عبر جيناتك إلى أحفادك ، إنها تُحمل من جيل إلى جيل في كروموسوم مُخلّد لا يموت .


كنتُ قررتُ أن ابدأ بالكتابةِ ألا أذكر الكتابة أن اكتب عن الأحلام و الشغف أو عن المعاطف البيضاء أو الطبّ و ربما الطبخ لكن لا أذكر الكتابة كلياً ، لكنها تستمرُّ بتغيير مجرى حياتي ، تستمرُ بإلغاءِ الخطط الدقيقةِ التي لا ألتزمُ بها بتاتاً ، إنها تدفعني لتحديدِ هدفٍ واحد ثمّ إنها لا تهتم بالتفاصيل الدقيقة المعتّقة التي لا يُلقي لها بالاً أحد ، إنها تُحددُ هدفي بالكتابةِ و تُلغي كلّ ما أردتُ كتابته ، إنها تنتظرني أن أقرر وهيَ من  تأتي بربةِ الإلهام ثمّ تكتب ، إنها تكتبُ بي وتستخدمني كما يستولي الجانُ على جسدِ أحد ، إنها تدفعني لتكذيب قانون الجذب لأنها لا تُجذب ، بل تَبقى مخبئةً حتى تظهر في تفاعلٍ أثناء انخفاض درجةِ الحرارةِ إلى 4 سيليزية ، كالجسيمات المضادة الباردة تظهر ثمّ تختفي بنفسها مع ازدياد درجةِ الحرارة ، تدفعُ المشاعر كلها لتجتمد حتى تستفيق ثمّ تتلاشى وحدها .


آخ ، لقد تجاوزني الحرف هذه المرةِ أيضاً .


نصفُ مشاكلي في الكتابةِ أني لا اكتب كما أردت ، النصفُ الآخر أنني عندما أريدُ أن أكتب لا يشبهُ النتاج كلّ ما أردتُ كتابته ، إن الأمر ليسَ متعلقاً بكلّ الحروف التي أكتبها ، الأمرمتعلق تحديداً بالإبتسامةِ المُرتسمة على شفتيّ حينما أنقر الزّر ( نشر ) .


أنا في العالم الموازي خشبةً مرميةً في عرضِ البحر ، تتقلّب بيَ الأمواج يمنةً ويسرة حتى استقرُّ في جزيرةٍ مهجورة ، ما إن أشعر بالراحةِ من تقلّب الأمواج حتى تمتدُّ إلى يدِ بشريّ فيحرقني ليتدفأ ، و تتقاذفني الريح حتى أختفي .


حُلمي حالياً أن أعمل في مركزِ أبحاثٍ طبيّ ، اكتشف علاجاً لمرضٍ مناعيّ كان مرضاه قد يأسوا حتى يتوّهج الأمل في قلوبهم ، ثمّ أفوزُ بجائزةِ نوبل بعدها بأعوام و ألقي كَلمتي أمام جمهرةِ العُلماء ، ثمّ يصفّق الجميعُ بحرارة و أردى دموعَ أبي فرحا و فخرا ، و يحتضنني و أقبّله حتى يختلط دمعي بدمعهِ فرحا ، و أن اكتب رواية تكون إرثاً لأبنائي ، أشبهُ بتميمةٍ تحميهم من وجعِ الحياةِ ، لأنا أقتفي أثر لا أحد لأكون الأحد الذي يَقتفي من بعدهِ الآخرون بهِ .


أريد أن يحملني العالم غيمةً تتقلّبُ فيه ، و أن أهاجر دون أيُّ فِلس ، أن أمشي في الريفِ السويسريّ و أبقى في كوخٍ خشبيّ كنزي حينها عائلتي ومدونتي ، أن اكتب الكثير من الرسائل الورقية للعابرين الذين لن أقابلهم مرةً أخرى ، أن أحمل كلّ من أحبهُ على عاتقي و أعيشُ معهم في الجنّةِ أماناً أبدياً .
التاسعُ عشر من أبريل : مدونتي تكملُ عامها الثالث ، شُكراً لمن ألهم ، شكراً للمعلمِ الأول أبي ،  والذين مروا على خاطري وأنا أكتب " حبيب الفؤاد ، شَغف ، رواء ، هَديل ، شَذى و مؤشرات " ، وشكراً إن كنتَ تقرأ هُنا .
امسحوا الدمعَ الحزين ، دعوا أحلامكم تنتفس .



18\4\2016 م
11:09 مَ


هناك 5 تعليقات:

  1. كل عام وهي زهرة حسنة .. في شذى خيراتها تحويكِ وتحويها

    ردحذف
  2. أكثر من رااااائع،،،
    أحرف متناسقه، و مشاعر صادقة جياشه..

    ردحذف
  3. أن اكتب الكثير من الرسائل الورقية للعابرين الذين لن أقابلهم مرةً أخرى. تشبهني هذه العبارة كثيراً.

    ردحذف
  4. اين اسمي؟!
    يوما ما كنت اتنفس هنا.

    ردحذف