الأحد، 17 مايو 2020

لا جديد سوى كل شيء!



الساعة السابعة صباحاً، لم أنم طوال الليلِ لسببٍ أو سببين مجهولين، إنها المرة الأولى في حياتي التي أطيل السهر في رمضانِ ويتغير جدول نومي كلياً، كنتُ دائماً الشخص الذي حين يتواجد في مكان الدراسة صباح رمضان أكون بكامل طاقتي، لأنني باختصار لا أجيد السهر فيه. ولأنه رُبما إنها المرة الأولى في حياتي التي تمر عليّ أيام رمضان بدون دراسةٍ أو عمل. 
عمل؟  هه لقد كبرت، تلكَ الفتاة التي تهرب من بينِ كتبِ المدرسة لتدوّن "خرابيطها" لم تعد موجودة، كم مرة على ذلك؟ سبع أو ستِ سنوات؟ لا أعلم توقفتُ عن العدِ وربما لأنني أريد أن أدوّن الآن لا أعد السنوات. غمرني هذا الشعور فجأة، مرت أشهرٍ طويلة قبل أن يغمرني مثله منذ فترةٍ طويلة، أعدتُ فتح مدونتي رأيتُ أنها لم تهجر، هناك أرقامٌ متواضعة تتصاعد بين فينةٍ وأخرى "شكراً للأوفياء، واعتذر منكم مجددا". 

ماذا حدث؟ كيف تغيّرت! أعاودُ التفكير مرةٍ أخرى عن تلك المرة التي دوّنتُ فيها هُنا عن المريولِ المدرسي الأزرق الذي رافقني ستُّ سنواتٍ في المدرسة، ثم دونتُ عن أيام دراسةٍ اللغة في الكليةٍ قليلاً، وتحدثتُ مطولاً عن معطفي الأبيض خلال أربعٍ سنوات في الكلية، تحدثتُ كثيراً عن الأحلام والشغف، معلميّ وكل طبيبٍ مرّ عليّ وألهمني، تحدثتُ مطولاً عنهم حتى غادرتُهم، تحدثتُ كثيراً كيف ألهموني في السنةٍ الأخيرةٍ من الدراسة، كيف أوقدوا تلك الشعلةُ داخلي، شعلة الحُب الذي لا ينقطع. كلّ ذلك الشغفِ والحُب هو الذي أعادني مرةٍ أخرى، أعادني وأحيياني وعجنني بطريقةٍ مُختلفة، كنتُ أجلس في ذاتِ الكراسي لساعاتٍ طويلة تكادُ عيناي لا ترمشُ حتى لا أتوهُ في المحاضرة وأنا انظر للمدرس، اليوم أنا مكانه يا للهول!! أقفُ اليوم هناك وأنا أعيدُ ما لُقنتِ وتعلمت ودرست وبعد النصائح والأحلام الطويلةِ، أنا اليوم مدرسة! عدتُ لكليتي مرةٍ أخرى، في ابريل الماضي.. مشيتُ مرة أخرى بعدما انتهى كل شيء في حفلِ التخرج في فبراير حينما قال لي معلمي "مُبارك، وأهلا بكِ مجدداً" ابتسمتُ ابتسامةٍ عريضة وصديقتي تنظرُ إليّ وتقول يا حظك! حظ؟ إنهُ جهدُ وتعبُ السنين يا صديقة، إنه عن كل المرات التي تعبتُ فيها ولم أتوقف! عن كل المراتِ التي سعيتُ وتعبتُ وبكيت ثم عدتُ أقوى وأجلّ! عن كل المرات التي تدركينها وأدركها، كلانا عشناها معاً بطريقةٍ مختلفة. 

حسناً نعودُ لأبريل الماضي، كانت عيوني شبه نائمة، كنتُ بكل حماسي ولكن كنتُ سأنام على أقرب طاولة أو كرسي أو شجرة أو أي شيء، كانت عودتي من سفرٍ لمدة شهرين بعد فارق توقيت ثلاث ساعات قبل ذلك الصباح بيومين! فالاستيقاظ ذلك الصباح كان مرهقاً جداً ـ عموماً ـ ذهبتُ للمواردِ البشرية لأول مرة في حياتي تخطو قدماي قسمٌ مثل ذلك، طرقتُ باب القسمِ مرتين ثم تنفستُ الصعداء ودخلت "لا أعلمُ حتماً إن كان ينبغي أن أطرق الباب أم لا" لم أرَ أحدا في المكان سوى عامل القهوة، سألني ماذا أشرب وأخبرني عن وقتِ بدء توافد الموظفين وهو على بعد نصفِ ساعة، قلتُ لا بأس سأنتظر فلو عدتُ لسيارتي سأنام حتماً طوال اليوم. 

لم يطل انتظاري حتى وصلت أول موظفة "السلام عليكم، أنا اسمي نهى، موظفة جديدة في قسمِ المختبرات، سأباشر عملي اليوم" لم تكن تعلم ما تفعل فوجهي لم يكن وجه موظفة أو اكاديمية حتى قالت "شكلك طفلة!" عموماً هنأتني وانتظرت ساعات حتى حُلّ الأمر.. أمسكتُ بالورقة "إقرار استلام عمل" وقّعت وطلب مني التوجه لرئيس القسم لطلبِ توقيعه! هنا زاد حماسي فهو معلمي ومُرشدي وهو من اختارني لهذه الوظيفة وذهبتُ إليه مسرعة لن أزعجكم بالتفاصيل الطويلة فقد مرّ ما يزيدُ عن السنة يُحال أن اختصر ذلك في تدوينة. 

لأعيد الذكرى عن كلّ المرات التي قدمني معلميّ فيها بـ" نُهى، كانت طالبة وحالياً زميلتنا" بعيونٍ يملأها الفخر، عن حماسهم و عن حماسي وشغفي، عن المراتٍ التي شربتُ فيها القهوةِ معهم وحادثوني، عن كل شيء قد تغيّر، كنتُ في موضعِ الطالب وأصبحتُ المعلم! حتماً كل شيء، كل شيء حرفياً تغيّر. كنتُ أقولُ سأدون هنا ما يحدث مع طلابي، ولكنّ أتوقف عن الكتابة في كل مرة لسببٍ أو لآخر، أُحب طلابي لكن لا أريد أن يقرئوني هنا، فلا أدري إن كانوا سيفعلون، لكنّ أحبهم كثيراً، أحبهم للحدّ الذي أتمنى أن أعلمهم بالحبِ والشغف التي سقيتُ منه أثناء دراستي، أن أكون من يشعل في صدرهم حُب التخصص والإلهام، أن أكون لهم كما كانوا معلميّ لي. 

مرّ الكثير صح؟ طبعاً العام الماضي كان مختلفاً كلياً في حياتي، سفرٌ طويل لوحدي، عمل جديد ووظيفة أحلامي، الزواج من رفيق العمر، السفر مرةً أخرى، اسمي في خططِ المواد، قائمة طلاب ينبغي أن أكون مرشدتهم الأكاديمية "يا إلهي!!! " كل شيء تغيّر لم أعد الشخص نفسهُ أبداً، لم أعد كما كنتُ لكنّ كل شيء هُنا غيرني وكونني، كانت شعلةُ الكتابة وستبقى، لكنِّ لا أعلمُ فعلاً متى ستكون. 

أصدقائي الأوفياء الذين يقرأون هنا حاليا، أُحبكم، كونوا بخير وأخبروني أنكم كذلك وعيشوا بشغف. 
كونوا آمنين!














هناك 4 تعليقات:

  1. ما شاءالله .. لا بأس . لقد تطاير الغبار قليلا من المدونة ..نعم هذه هي الحياة ، نتبدل فيها من حال إلى حال . ولكن الأهم هو ان نكون مبتسمين دائما وأبدا .. تدوينة رائعة ..

    ردحذف
  2. شكرا جزيلا ... سيعودُ الغبارُ حتما.

    ردحذف
    الردود
    1. في يوم جميل عاد الأب من العمل الطويل ، ليلتقي بإبنه الصغير .. كيف حالك يا بني ؟ إنا بخير والحمدلله ، كيف حالك يا أبي وكيف كان العمل اليوم ؟ بخير نحمد الله ونشكرة والعمل عبادة نشكر الله أن رزقنا الصحة والعمل .. أبي لقد دخلنا أنا وأمي اليوم تلك الغرفة المغلقة في منزلنا كنت منذ فترة أود أن أدخلها وبالمصادفة رأيت أمي قد دخلتها ودخلت معها .. نعم يا بني إنها غرفة والدي وقد أغلقناها منذ أن توفاه الله ، تحتوي على أطلالة وتلك الاطلال تذكرني فيه دائما ولا أستطيع أن أراها فكلما رأيتها يراودني الشوق والحزن لابي رحمة الله لذلك اتخذت القرار بإغلاقها وعدم الدخول إليها إلا عند الحاجه . ولكن يا أبي الغرفة يغطي الغبار كل زاوية منها لقد حزنت على وضعها فهناك الكثير من المقتنيات الثمينة. من الطبيعي يا بني لانها مهجورة وبالتالي فإن الغبار وغيره سيتكاثر عليها .. ولكن هناك كنز كبير يا أبي ! لا اتذكر بانني وضعت فيها صندوق كنز !! لا يا أبي فقد كنت أقصد بالكنز هو تلك المكتبة في زاوية الغرفة فيها الكثير من الكتب والمجلدات والمؤلفات الثمينة والقيمة هل يجب أن تترك هناك بدون أن يستفاد منها لقد مات جدي ولكن العلم لم يموت .. نعم يا بني لقد صدقت فليس هنالك أثمن من هذا الكنز ، لقد أخجلتني يا بني ، فأنا لم أنتبه لهذا الجانب ، وقد صدقت لقد مات جدك ولكن العلم لم يموت . إذاً بما أن العلم لم يموت يا أبي لماذا لا تدعني أدخلها وأنهل من منابع العلم الذي يتواجد في تلك المكتبة ، فكلما دخلناها ستعود الحياة إلى الغرفة . نعم يا بني كلامك صحيح ولكني لا أريد الدخول للسبب الذي ذكرته لك ! ولكن يبدو أن الوقت قد حان لنسيان الماضي وفتح صفحة جديدة والدخول للغرفة . نعم يا أبي فإذا دخلتها أنت وقمت بإضافة الجديد فيها باستمرار من كتب ومن كل ما هو جديد قد يغير ذلك الوضع فيما يتعلق بالأطلال وبالتالي ستعود الحياة إلى الغرفة (والغبار لن يعود حتما) !!

      حذف