على حافةِ الحلمِ كلما نمنا استيقظنا نشهقُ بسرعةٍ وكأننا نسقطُ من طابقٍ
مرتفعٍ جداً إلى ظلمةِ لا ندركها ، ثمّ نستيقظُ فزعين نرددُ " بسم الله
الرحمن الرحيم " بحرفٍ يكادُ يأكل الذي بعده من الخوفِ الذي يلتبسنا ، وكلما
حاولنا أن نعاود النوم يلمسُ هواء المكيفِ ورقةٍ من على الأرفف فتتحرك فنرتجفُ في
مكاننا خوفاً محركين أعيننا يمنةً ويسرة في تلكَ الظلمةِ الدامسة ليلاً .
الأمرُ أشبهُ بفقدِ عزيزٍ كلما أتى الليلِ بكينا للهِ ألفاً دونه نرجو
لقائه ، أشبهُ بأمنيةٍ كلما اقتربنا منها نمدُّ أيدينا لنمسكها تطيرُ كالفراشِ
المبثوث عنّا مبتعدة ، أشبهُ بأرضٍ خاويةٍ على عروشها إن نبستَ ببنتٍ شفةٍ يترددُ
صداه همسكَ كأن جبلاً انهارعلى تلكِ الأرض .
كطفلٍ عاد للحديقةِ ذات يوم ولم يجد أرجوحته المفضلة في مكانها ، فاشتدّ
بكائه رغبةً بها ، وهو مجبرٌ على الإعتيادِ في كلّ مرةٍ بالعودةِ دون أن يجدها
يمارسُ الفرحَ فيها كما كان يفعل منذ أن تعرّف عليها .
الأمر حينما لا نكتب أشبهُ بالهبوط لعمقِ الحياة بحثاً عن لؤلؤٍ يجعلنا
سعداء دونَ أن نحمل اسطوانة اكسجين ، فتقطعُ أنفاسنا شيئاً فشيئاً غرقى في هذه
الحياة بعيدين عن درةٍ تجعلنا سعداء لا يشوبنا شيء ، لكننا ببساطة غرقنا في الحياة
!
العودةُ للكتابةِ أشبهُ بشهقةٍ نأخذ منها قدر ما نستطيع من الفرحِ و الحياة
، وحلم طالما راودنا أن نكتب للأبد ، الأمر أشبه بزهرةِ توليب في صحراء قاحلة لم
تعرف المُزنَ يومأً ولم يمرّ عليها ، أشبهُ بشهةِ الحياةِ الأولى لجنينٍ رأى مشهد
الحياة للمرة الأولى .
أشبهُ بفرحةِ طفلٍ لمشهدَ والداه يصفقان له على خطواتهِ الأولى دون سقطةٍ
مؤذيةٍ تبكيه خلالَ فرحته ، الأمر أشبه بشعورٍ أعظمُ من أن يوصف ، لكنه جداً جميل
.
على نورِ القمر كانت تتكئ على أرجوحةٍ تطيلُ الحديثَ معي فيها بحمى تُسكرها
كلّ مرة لكنّها تحبها جداً وتراها حنونة ، كانت تقولُ لي أن هلاميّة الحياة مزعجةً
لها ، و تحكي لي عن تلك الحمى التي ترهقها ، وتحكي عن خوفِ والديها الذين مهما حاولت
أن تقنعهما أنها بخير ، يبقان قلقان رُبما من هذيانها .
على نورِ القمر حديثٌ ليليٍ من أمام النافذة بحلمٍ يكبرُ كلّ ليلةٍ ، وكلّ
ذكرى تنسجُ خيطاً يكملُ الذكرى التي تسبقه ، على عتباتِ الليل حينما ينتهي يكتبُ
القلمُ حلماً يكبرُ في صدري ، حلما أمضي فيه ، وحلمٌ يسردُ على ضوءِ القمرِ كلّ مرة
، حلمٌ لو نهشني نهشاً لسعيتُ إليه أمضي بفرحٍ ، بشوقٍ كاد يقتلني ، إلى الجنّة .
مرّ شهر كدتُ انسى فيه مدونتي ، التي بقت على سطحِ الهاتف ترجو نقرةِ اصبع
لكنِّ اتجاهلها في كلِّ مرةٍ فتحتُ هاتفي ، لم أكن منشغلةً بشيء ، ولم أكن
أتجاهلها ، ولم أكن لا أستطيع الكتابة ، لكنِّ لا أريدُ الكتابة ، ولا أعلم
الأسباب .
مرّ شهرٌ زارني الفرحُ فيهِ مراتٍ ومرات بحمدٍ من الله ، مرّ عليّ مرةً
كنتُ فيها معلقةٌ بينَ السماءِ و الأرض ، بجوارِ أبي ، ومرةً كنتُ على مكتبي
أنتظرُ الفرحة تلك ، مرّ شهرٌ لم يترك الله فيها رجاء عبده ، مرّ بكلِّ أشيائه
أمسكُ القلمَ مرةً أخرى لاكتب .
أظنني قلتُ مئات المرات " من يكتب مرّة لا يستطيع عدم الكتابة بعد ذلك
، الأمر أشبه بموتهِ تدريجياً ، الأمرُ في دمهِ كمسٍ لا شيخَ يقرأ عليهِ و يرقيه و
يشفى منها ، الأمرُ يكادُ يكون ضمن كروموسومات الخلايا الأم التي مهما حاولنا أن
نتخلّص منها فهيَ منا وفينا " .
" إن ما نسعى
إليه .. يسعى إلينا " ، إن حُلمي حينَ يكبر داخلي ، يُزهرُ بالحبِّ أكثر ،
إنني في يومِ مطرٍ أزهرت روحي حروفا ، ها هيَ الآن ربيعاً ، وغداً في الجنةِ تَثمر
.