الأحد، 2 أكتوبر 2022

عن عمي مسلم - رحمهُ الله -

 

يُحال أن أنسى ذلك الصبحُ الذي استيقظتُ على اتصالِ أختي وتقول "نسيتُ أنكِ لستُ هنا، عمي مسلم توّفى" صحوتُ فزعةً نزقة وأنا أرى التعازي والرسائل مجموعات العائلة وحالات الواتساب و كل شيء يبدو غريباً أن نصحو على فاجعةٍ كهذه. 


عمي مسلم في ذمةِ الله ورحمته .. يصبحُ كل شيء خالياً من المعنى وأنتَ أبعد، بعيداً في قارةٍ أخرى مُتخلفاً عن وجعِ العائلة كُلها، تتوالى رسائلُ الاطمئنان، الجميعُ يجيبُ ولا يُجيب، الكُلُّ منهار، وأنا وحدي بجانبِ رفيق العمر، ينهار قلبي وجسدي وكل شيء بداخلي ينهار، وبقي قلبي وفكري معلقاً في عمتي، عمتي الحَنونُ التي فقَدت سندها فجراً وأنا لستُ هناك. 


للحظةٍ ما تكرهُ السفر والابتعاد والغُربة، وكنتُ أعلم ولو حجزتُ أقرب رحلة لما وصلت في أيامِ العزاء، قرار العودةِ وكل شيء يفقدُ معناهُ للحظة .. لكل اللحظات التي لن تتخطاها، كيف أغفرُ لنفسي هذا البُعد إلا بالاطمئنان على عمتي، عُدت بعد العزاء بأيامٍ معدودة وأنا أشعرُ أن دهراً قدْ مرّ ولا زلنا عالقين في خبرِ الوفاة نفسه. 


فورَ وصول الطائرة، مشيتُ في المطارِ وحدي ودموعي تسبقني وجسدي كله يَرجُفُ ذلك الفقد، بكيتُ حتى تعبت، مسحتُ دموعي وذهبت لمكان الحقائب أخذتُ حقائبي وغادرتُ المطار، انتظاراً طويلاً حتى لقاء عمتي، طوال الطريق كنتُ أحاولُ أن أكون قويّة، لا أن أزيدُ وجعها وبكاءها، لكنِّ ما إن رأيتها انهارت وانهرت، كأن خبر الوفاةِ سقط علينا تلكَ اللحظة، لكن حضن عمتي كان هو المواساة وهو طمأنةُ القلب القلق.


مرّت الأيام ومرّ أكثرُ من شهرٍ على الوفاةِ ولكنّ لا زلتُ انتظرُ اللحظة التي يطرقُ فيها عمي مسلم الباب محمحما لدخول المنزل وأنسى حينها أن ذلك الجمعِ هو لمواساة عمتي بفقدِه. 


سألتني احداهن: "ماذا يقرب لكِ الفقيد؟" أجبتُها زوجُ عمتي، وأعقبت "ظننتُ أنهُ شخصٌ قريب". زوجُ عمتي يبدو للبعضِ ليس بذلك القُرب، لكنّ بالنسبةِ لعائلتنا فنحنُ دائرة، ندورُ حول بعضنا مُذ أن فتحت أعيننا على الدنيا فالعائلة عائلة، والعائلة تبقى أولا، فالجميعُ هو عمي، والجميع هنّ عماتي، لا نُفرقُ بين من هوَ عمي أخاً لأبي أو زوجاً لأخُته، فالجميعُ أخوة، و الجميعُ بطريقةٍ ما قريباً للجميع، وبالنسبةِ لعمي مسلم فهوَ قريباً للجميعِ حنونا على الجميع، لطيفاً ضاحكاً بشوشاً، فالكُلُّ يجمعُ أنه كان بشوشاً طيّب القلبُ ملائكي، الكلُّ يذكرُ وضحكته العالية، وتعليقاتُه المرحة، فقيدُ العائلة الذي لا زالَ جرحاً غائراً نراهُ في حزنِ عمتي، وعينيّ ابنته، ووجودِ حفيدته، نجدُه في أرجاءِ منزله، وفي حديث عمتي عنه كأنه غادرَ للحظةٍ وسيعودُ بعد حين، ونحنُ ندركُ وهي تدرك بأن هذا الفقدَ أبديّ وسيكونُ اللقاء الجنّة. 


رحم الله فقيدنا وتقبّله بقبولٍ حسن مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، اللهم اجزهِ عن الإحسان احسانا، وعن الاساءة عفواً وغُفرانا، اللهم اجعله قبره روضةً من رياض الجنّة .. اللهم اربط على قلبِ عمتي وابنائها وصبرّهم على هذا الفقد ..