الأحد، 4 أبريل 2021

حُلمي الذي كان - 3

 


نظرتُ إلى أجندتي قبل أيام، وجدتُ التاريخ نهايةَ مارس، وسيُقبل الأول من أبريل بعد أيام، ابتسمت. إنها الذكرى السنوية لتاريخ تعييني كمُعيدة. أغمضتُ عيني وأخذتُ أُفكر في العامين الماضيين، اليوم الأول لبداية عملي، وكل ما حدث خلال العام الأول، كل شيء كان جديد، كان مفعماً بالشغفِ والحماس و الحُب، ولا زال كذلك، لولا أنني مرّت أيام من شدةِ البؤس فكرتُ بالرحيل، الرحيل فقط والابتعاد عن كل شيء، خلال العامين هذين ودّعتُ خلالها خمسةُ من معلميّ الأفاضل لأسباب مختلفة، شعرتُ بالغربةِ في كل مرة يرحلُ فيها أحدهم، وشعرتُ أيضاً أنني وبيومٍ ما سأجدُ نفسي غريبة بين حفنةٍ من الموظفين الجدد الذين لم يكونوا معي خلال رحلة دراستي أبداً، وأعلمُ أنه مصير الحياة، وسيحدثُ يوما ما، وكلنا راحلٌ من المكانِ نفسه لمكانٍ آخر، للتقاعد ولمختلف الأسباب، فنحنُ لسنا أشجاراً. 

الأولُ من أبريل | أنا، ورفيق الحياة، كوبيّ قهوة وكلٌ منا متوجه إلى مكان عمله، هذا اليوم هو اليوم المُفضل لديّ من الفصلِ الدراسي، هو يوم تحضير أحد الصبغات التي تأخذُ يوماً كاملاً في تحضيرها، منذُ الثامنةِ صباحاً حتى فلترتها في اليوم التالي من صُنعها، يُصادفُ أنها الذكرى الثانية، ولا زال معلمي يعرفون بي "كانت طالبتنا وأصبحت زميلتنا". 

في أواخر أغسطس الماضي، اتخذتُ قراراً فجأة أن أدرس عن بُعد في أحدِ أعرق الجامعات البريطانية، وكان بين يديّ تخصصين مختلفين، الأول علميّ والثاني فلسفي "لم أكن أعلمُ حينها" استشرتُ معلميّ وزملائي وقررت ألا أخوض في العلمي لأني لا أفضّل الحصول على درجةٍ علمية عن بُعد، وأقبلتُ على تخصص "التعليم الإكلينيكي" المُخصص للأكاديميين ومعلمي الممارسين الصحيين، قدّمت خلال أقل من أسبوع حصلتُ على القبول وخلال أقل من شهر بدأتُ الدراسي، أقساط الدراسة المكلفة لم تكُن في الحسبان لكنِّ فعلتها على أيةِ حال، وبدأت. حينما كان طلابي يشتكون من صعوبةِ التعليم عن بعد، كنتُ أشتكي من التعليم عن بعد وفارقِ التوقيت!فحينما اقرأ طوال الأسبوع وأبذلُ جهدي في الاستعداد للمناقشات الأسبوعية، يبدو الأمرُ مرهقةً حين تبدأ المحاضرة في الحادية عشر ونصف ليلاً بعد يومِ عملِ مرهق. ولكنّ على أيةِ حال بدأتُ الدراسات العليا لأتجاوز بؤس حلم الماجستير الذي اجتهدتُ وبذلتُ فيهِ كثيراً ولم أحصل على بعثةٍ بعد، فحين شعرتُ أن البؤس تسلل إليّ بدأتُ رحلةٍ جديدة ومختلفة تماماً.

النظام البريطاني مختلف تماماً عن نظامنا التعليمي، ونظام التقييم مختلف، وطرق التعليم مختلفة، ويصادف أن الأوراق البحثية والكتب الفلسفية والتي تناقش التعليم الإكلينيكي مختلفة تماماً عن العلمية، يشاركني هذا الاختلاف الصادِم، ما يُقارب مائة طالب من مختلفِ أقطار العالم، فيا بهجتي بالأصدقاء المختلفين لنتشارك التجربةِ والرحلة. 

عموماً، بقيت أيام معدودة على هذهِ الرحلةِ فبمجرد ما أُنهي الورقة البحثية الأخيرة، سأستطيع وقتها حضور حفل التخرج الافتراضي لجامعة ادنبرة، ليتكرر حلمُ التخرج مجدداً مرةً أخرى. 

صُدمت بالنظريات التي تكادُ أن تصل إلى مائة نظرية في التعليم، وطرق التقييم وطرق تصميم المناهج وغيرها، تعلمتُ كثيراً من التجربةِ وسعدتُ بالتغيير الحاصل في حياتي العملية، في التعلمِ من جديد، الخوض من جديد في غمار الحُلم، الشغف والفرح، لولا أن أوضاع العالمِ من جراء الجائحة هي الأقسى علينا في الممارسة التعليمية، التعليم عن بعد، تقليل أعداد الحضور إلى المختبر، تقليص أعداد التجارب هو بشكلٍ ما بائس وحزين. أتمنى أن اغمضَ عيني وأجد كل العالمِ قد أخذ اللقاح وسنرتاح من عناء هذا الكابوس الممتد لعام. 

في نفسِ الليلة حضرتُ محاضرة قال أستاذي فيها: هل نحنُ أحياناً نكبر وتزداد خبرتنا للحدّ الذي لم نعد نشعرُ بطلابنا؟ وهذا السؤال هو أرقي في تلكَ الليلة. 

يُتبع.