الاثنين، 2 نوفمبر 2020

حُلمي الذي كان - 1

 

الساعة الواحدة وأربعة عشر دقيقة صباحاً. 

الرابع والعشرين من أكتوبر  -  يومُ الميلاد.

رفعتُ رأسي من امام الشاشة لأحرك عنقي يمنة ويسرة لاتجنب ألم الكتفِ الذي يعود مراراً وتكراراً بسبب المكوث امام الحاسوب لساعات طوال، إنها الواحدة صباحاً وأنا لا زلتُ امام جهازي منذ ساعات طويلة لأنهي استعدادي لمُحاضرة الأحدِ صباحا. يأخُذ مني التحضير ساعاتٍ طويلة مثلما كانت تأخذُ مني المذاكرة وغيرها. 

امسكتُ بهاتفي لأجد تهاني الميلاد التي وصلتني، خمس وعشرين خريفاً على هذه الأرض كم كبرت! وأشعرُ أنني كبرتُ أكثر لأتجاهل الأمرُ كليا واعود لجهازي اقرأ و اكتب وانقّح وأعيدُ التفكير في كل شيء أكثر من مرة لاختار السطرِ والعبارة المناسبة لوضعها في المحاضرة، الأمرُ مجهد لدرجةِ أنني اشكرُ معلميّ كلما تعبت، والأمرُ مرهق أضعافاً حينما يكون الطلبة خلف الشاشات، تتحدث لساعات دون أن ترى أن أحد أو أن تسمع أي صوت، أُجدد كرهي للعوائق الاجتماعية فلستُ من النوع الذي سوف اجبرهم على البقاء امام الكاميرا المفتوحة لأتحدث أنا وحدي. أريد غرس فيهم أن يشعروا بأهمية التعلم دون أن يُجبروا عليه أو يتلزمون لأنهم مُجبرون، فكلنا ندركُ أن التعلم أهم من هذا كله.

ما الجديد؟ لا شيء سوى أنني أشعرُ أنني كبرتُ أكثر، صرتُ انضج رُبما؟ أو ربما لا. لستُ متأكدة. أشعرُ أنني لم أعد دودة كتب كما كُنت فلم أنهي من مجموعة كتبي التي ابتعتها من معرض الكتاب سوى بضعة كتب، لكنِّ اقرأ أكثر في تخصصي ومجالي الذي يجعلني ابتعدتُ عن الأدب .. ومنها عن الكتابةِ أيضاً. 

 

الساعة الثالثة صباحاً. 

الأول من نوفمبر / ثم ماذا؟ 

.

أعجزُ عن النومِ من كل شيء يدورُ في رأسي، كل الأفكارُ تتضاربُ في رأسي وكأنها دوامةٌ من الغرق، أصبتُ فجأة بنوبة هلع، أشعرُ بحرارةٍ عالية، دموعي تنزل دون أن اتحكم بها، اغمضُ عيني وأُردد يا الله .. حتى نُمت، صحوتُ بعدها بساعات لا أعلمُ ما حدث لكنِّ شعرتُ باطمئنان وارتياح غير عادي، فجأة اجتاحتني طمئنةٌ بشأن أحلامي وأنا التي لم أكفُ عن القلقِ منذ يناير الماضي. كان كل شيء يبدو مثالياً أن التي اعتدتُ على تخطيط كل شيء مُنذ سنة الخامسة عشرة وكل شيء يُيُسر بطريقةٍ ما ويمضي حسب الخطة بلطفِ إلهي كان يلتحفني دائماً، أشعرُ أنها دعواتُ أُمي. الخطة، الأمرُ المزعج الذي بتُّ أعيش لأجلهِ، التي أوقفتُ كل شيء لأجلِ الخطة، الخطة التي أخذت مني الكثير وتأجلت كلها؟ كلهُ خير. أعلم حقاً ذلك لكن الأمرُ مربك وأنت تنتظرُ أحلاماً مؤجلة لستَ تدري إلى متى، وهل نعلمُ نحنُ أي شيء أصلا؟ 


الساعة الواحدة فجراً

الثاني من نوفمبر. 

ليالي السهر كثيرة، سهرتُ وأنا طالبة ادرس لأجلِ أحلامي، أحلامي التي رأيتُ أحدها في ذاكرتي وكتبت الحُب من النظرةِ الأولى، وأدركتُ حتماً أنه كان الحُب حينما أكدنّ لي صديقاتي بأنني كنتُ أكثر المتأكدين من مجالِ عملي، واعلمُ أنني كنتُ متأكدة منذ اللحظة الأولى التي امسكتُ فيها بين يدي دماغ، كبد، امعاء .. وكل تلكَ الأعضاء لأعيدُ تجهيزها لتجربةٍ كنتُ فيها طالبة اغمضُ عيني واستنشق الفورمالين الذي يثير الدموع بحُب، كنتُ ولا زلتُ أشعر أن ذاك الحُب بقيَ فيّ ما بقيت، بعدها بسنوات. مرّت ثلاثُ سنوات واليوم أقِف على نفسِ الطاولة، اُمسك بنفسِ الأشياء والأدوات، الفرق أنني محورُ الحديث وأنا المحاضر :" يا لروعةِ الشعور فعلاً. 

سهرتُ اليوم لأنجز بحثٍ دراسي مكون من آلاف الكلمات، البحثُ الذي عليّ تسليمهُ خلال أيام ولم أُنجز نصفه، ليس كسلا لكن الحياة ومشاغلها، المعلمةُ صباحا والطالبةُ ليلاً، وأشعرُ أنني لولا الدعم والدفء الذي يملؤني وكلُّ الحب ما نجوت، لكن الله وبطريقة ما يُسير لي الأمور دائماً، اغمضتُ عيني اقرأ مرارا وتكرارا فلسفتي في التعليم التي كتبتها قبل أيام لواجبٍ جامعي، وكل مرة اقرأهُ أشعر أنني نضجتُ بطريقة ما، أكثر من ذي قبل، لم أعُد تلك المراهقة التي تهرب من كتبها المدرسية لتكتب "خزعبلات" في مدونة لا يقرأها ولا يُلقي لها بالاً أحد، ولم أُعد أراقب عدد المشاهدات لأشعر بالحُب، أصبحتُ ربما لا اكتب أو أنني لا اهتم فعلاً سوى معرفتي أن أصدقاء هذه المدونة منذ البداية بخير. 

تراودني فكرة مشاركة أفكاري في التعلم والتعليم و كل يومياتي كمُحاضرة في سلسلةٍ تشبهُ الأمر كما كنتُ طالبة، لكنِّ أصبحتُ أخاف من ربطِ نفسي بالتزاماتٍ لا أقدرُ على الإتيان بها، ولكن من يعلم؟ رُبما لأفكاري التي لا أرويها لطلابي وهي في خاطري حتى آخر لحظة ثمّ انسحب هي التي يقرؤها غيرهم و تُلهمهم. من قال أني مُلهمة؟ قالها البعضُ وصدقت. لكن لا بأس ما دمتُ أشعر أنني ذا أثر. 

نهى تكتب: مذكرات اكاديمية ؟ هه شعرتُ بسخافة الأمر. 

حسناً عليّ أن انام.