تمرُّ اليوم ذكرى ميلادٍ جديدة، لحظةٍ كانت تشبهُ الإنفجار العظيم بداخلي، أصبحَ كل شيءٍ فيها يُحدثُ الفارق، في كلٍ مرةٍ كنتُ اكتب ليسَ لأنني أقدرُ على ذلك، لأن الأمرَ كان يشبهُ النوم العميق بعد تسليم ورقة الإمتحان الأخيرة في نهايةِ فصلِ التخرج، ليسَ لأن الكتابة تمحي الأوجاع - لا أعلم أصلاً من هذا الذي يؤمن بذلك - لكنّها أشبهَ بالماء البارد على جسدٍ أرهقتهُ الحُمى لأيامٍ طويلة، إنها تشبهُ نبع الحياة الذي كلما مزّقتني أتيتُ لأرتوي منها، ولأنني أجدُ روحي هُنا كلما جهلتُ أينَ أصبحت لحظتها.
هناكَ تماماً أصابتني في القلب، كنتُ دائماً أقولُ أنها كالوتين، حتى أدركتُ إنها أقرب من ذلك تماماً، تتشبثُ بي و تعبر خلال حجراتِ قلبي الأربعة، لكنها تبقى في البطينِ الأيمن طويلاً تستريح، إنها ممتدةٌ فيّ امتداداً أعمق من بقائها في ذلك البطين المرتجف في كلِّ مرةٍ تقررُ فيها العقدة الجيبية الأذينية الإنقباض، تنقبض فتتكتل كل أحلامي حتى تستريحَ في امتدادٍ رحبٍ كلما توّسع القلبُ في المدى.
إنني أدركُ منذ الزمنِ البعيد أن السّماء مهما اشتدت حلكتها تبقى في قلوبنا زرقاء لا يتغيّر لونها، و أن لبّ البحرِ كان دائماً عاكسٌ للسماء، و أن المطرَ صوتاً حانياً يشبهُ أصوات الأمهات حين تربتُ على أكتافنا كلما حزنا، و أن العواصفُ ما هيَ إلا احتضانٌ للسماء كلما حَزنت قبل البكاء.
إنني أؤمن يقيناً بتكرار الولادات في كل يوم ومع شروق كل شمس، كولادةِ أصدقاء الشارع الذين نلمحهم من نوافذِ الطرقات فيبتسمون لنا و كأننا أصدقاء منذ زمن،كولادةِ الضوء في المجهرِ من الصفر حتى ترتسمُ تقاسيم النسيج أسفله، كولادةِ الزهرِ لأول مرة في الشجرة التي حرصنا على سقيها للماء في نهايةِ كل يومٍ دراسي، كولادةِ النبض في قلبي كلما أغلقتُ أذنايَ و شعرتُ أن الكون كله في داخلي، وكأني ضوضاء العالم ما هيَ إلا انعكاس أعدادٍ من النبض لا تنتهي.
إن الحياة كلها مبنية على الشغف، إنها مبنيةٍ على حلمٍ نملكه، وحلم آخر حققناه، إنها لا تتمُّ حتى بدون أحلام حتى وإننا دائماً نموتُو نحيا لأجلِ أحلامنا ألف مرة، و كان حلمي دائماً أنني في معطفٍ أبيضِ و مختبر.
يتحدثُ قلبي في ذكرى السنينِ الأربعة: " افسحِ لي حرفكِ، أودُّ الخلود في جنتي" و لو أن ألف يومٍ قد كان الصمتُ صديقنا لانفجرَ حرفاً ذات مرة عن ألفِ عام.
-
إلى مدونتي.
يعلمُ الله أنكِ الشفاءِ عند الحزن، و الأحلامُ تنبتُ منكِ كلما يئست، و إنكِ الأقدر على مواساتي، و إنكِ القرار الأمثل في تاريخي، و إنكِ تحتوين أحلامي التي كتبتُ والتي لم تكتب لكنِّني اقرأها فيكِ دون أحد، يعلمُ الله أنكِ الزّهر في بداية الربيع، ونسائم المطرَ في رعودِ الشتاء، و أنكِ تشبهين الإندروفين بعد الألم، و "تشبهين كل شيء يحدِث الفارق" ، إنكِ أشبهُ بصلواتِ الأمنيات، و حديث البؤساء بعد التمسكِ ببصيصٍ من الأمل، و تشبهين كل شيء جعلَ الحياة أجمل، أعاهدكِ مهما طال الغياب عن هنا ستكونين أول من أتلو عليه القسم وسأقول حينها " اشهدي هذا المساءِ أنني قلتُ القسم".
كل عام وذكرى وجودكِ نبراس قلبي.
عن: التاسع عشر من نيسان.
خارج النص: " كنتُ أشعرُ بالقلقِ في كل الأيام السابقة، كنتُ أشعرُ أنني أخون العهدِ لأني لم اكتب ساكتب، لكنِّ كتبت، شكراً لمن ألهم".