وكلما ضاق الظلام بعمقِ قلبي اشتعلّ نور الشمسِ حباً، و كلما كان البكاء رفيق ليلي كانت أحلامي تطير، و كأن فجراً قد مضى ورفيقَ العمر يدعو حتى شروق الشمسِ يا الله هيَ، و كلما اشتدّ الأسى أنتَ يا الله حسبي.
سيستجيب، و كانَ قلبي موقناً طول الطريق أنه ما قد يجيبُ على السؤال سواهُ، و أنه ما قد يزولُ الحزن إلا رضاهُ، و أنه ما قد أسعد القلبَ يوماً إلا في رُباهُ، و أنه كان المنجيَ من بطنِ حوت الموت عندما ناداهُ يونسُ في ظلام، و أنه كان الحفيظ من قعرِ بئرٍ كان يوسفَ يبكي فيها رباهُ، و أنه رفيقَ مريم إذ أتاها مخاضُها تحت الجذعِ و أنّت يا رحمن.
عتمةُ القلبِ تزول، ووحشةُ اليأسِ تؤنّس، حتى إذا اشتدّ الأنين لا شيء يطرقُ صدرنا سوى صدى هذا القلب ينبض ثمّ ينادي باسمك " يا قُدوس " فتزهرُ الأحلام قُدساً، ثمّ تطيرُ بنا نجوماً.
تنزعُ الأسى نزعاً، حتى إذا ماتَ الألمُ فينا و انطحنا من شرٍّ كنا نسميهِ سعادة، و إذا بكينا و رجوناكَ أننا نبغي منكَ شرّاً و نحن على يقينٍ أنه سيكونُ فرحاً، ثمّ نبكي قنوطاً، و نرجو منكَ أن تعطينا إياه قسراً، أنتَ يا الله أعلم، أنت تدري أيُّ ذاك الطريق خيرٌ، و أيهُ سيكون فرحاً، إننا نجهل يا حبيبي ما أنتَ ترميهِ من كل شيء، و أنتَ أعلم فأرشدنا لليقينِ حتى في ننعم في جنانِ عدنٍ نمرح.
ذاكَ الفراغُ المستمرّ بقعرِ صدري، ذاك الإحساسُ الغريب بأن هذا بؤس العالم أكبر من كل شيء، ذاك السؤال الذي يمضي معلقاً طول الطريق: أينَ الخلاص؟ تعبٌ و أنت تدري يا إلهي أنني ما عدتُ أطيقُ من الأرضِ صبراً لكنّك تمنحني البقاءُ لأزدهر، و أنت تدري أن احساسي ببؤسي أكبرُ من كل شيء، لكنّ صلاةِ الليلِ تنقذني و تختصرُ الطريق، لكنّها كانت أنيسي، و سورةُ الرحمن كانت ذاك الخلاص، و أنني كلما اختنقتُ من ألمٍ كان طريق الجنةِ أجمل طريق، و أنني على يقينِ أن هذا التعب زائل إذ مضيتُ حتى رافقت الحبيب هناك، إذ قابلتُ وصحبي في الجنان، أنه دار البقاء إذا صبرت، و أنكَ قلتَ في المنزّل "إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ" ، و بشرّتنا يا إلهي بالجنان .. و بشرّتنا على صبرِ دار الفناء.
حاشاهُ أنْ يميتَ قلباً متوكلاً كل الطريق، حاشاهُ أن يردَّ سؤلا باليقينِ أتاه، حاشاهُ أن يكسرَ روحاً بالجبرِ تبكي تسأله، لمَ نبتئس و عندنا ربٌّ إذا ضاقت ذنوبنا ذعراً بنا يغفر، لمَ نبتئس و عندنا ربٌ إذا اشتدّ بنا الألم يرحم، و إذا اشتكينا إليهِ يفرج.
إنهُ الله محقق أمنيات البائسين، و مرشد دروب التائهين، و أمانُ خوفَ الخائفين، وسلامُ كل المشردين، و طمأنينةُ بني العالمين.
إلهي إنني أرجوكَ أن تشدد بهِ أزري، و تشركهُ في أمري، كي نسبحك كثيراً و نذكرك كثيرا، و نمضي للجنةِ رفاقاً، و نختصر الطريقِ إليكِ، و نكون في الفردوس جيرانا، و نكون تحت ظل العرشِ أخوانا و أحبابا، إنني أرجوكَ ربي جنة مع من أحب.
نُهى.
١٢:١٧ مَ