الاثنين، 4 يناير 2016

لكَ اللهم قلبي

إلى الذي توقف عن الكتابةِ رغم حاجته إليها ، إلى من لا يعرف ما سيكتب لكنّه كان يكتب ، أنا أنضم إليك بالكلام الطويل الذي لم يُكتب .

أنضم إليك بالحديث المزخرف الذي لا أعرف كيف أقوله ، بأحاديثي الطويلة مع الغرباء العابرين ، بالمضي قدما في هذه الحياة ،  بعد أن ننسى كلّ ما رحل ، ونقدّر الموجود .

كلّ شيء وُلد مع المطر ، كل الفرح و البهجة ، و إندلاع الحياةِ داخلنا ، كله أتى مع المطر ، حتى الصمت الطويل انبثق منه حديثٌ مفصّل بحب .

و أنت بعيدٌ جداً دون أن أعرفك حتى ، أو أننا نتصادف أحياناً دون أن ندرك أننا نحن الغرباء الذين لا نعرف أنفسنا ، و نتصافحُ في دروبِ الحياة ، نهدي بعضنا طمأنينةً بلطافة العالم ، و نضمُّ بعضنا في دعواتٍ تطوّق الأمل ، و تهدينا الفرح بعد أن نتجرّعُ لوعة الألم .

و أنا أرى رحماتٌ تتساقطُ علينا من السماء لتسقي الشجرةُ التي وَهنت بعد أن تساقطتُ كلّ أوراقها ، و بقت تحتضن وريقاتها الجافة بينَ أذرعها بدفء ، و كأن الحياة ستهضمها إن لم تحتويها ، وتموت .

أدركتُ يقينا أن كلّ الغرباء الذين صافحوني ذاقوا من لوعةِ هذه الحياة ، أم أنهم حملوا أثقالاً ضعفَ أثقالي التي أبكتني ضعفاً ، و أني ضعيفةٌ جداً أمام صفعات الحياة ، مشتكيةً من الوحدة رغم دفء الأحضان التي تجبر كلّ وجع ، و أنارت ليلةً مظلمةً مشبعةً بالبرودة القارسة .

و كان الليلُ رؤوفا لطيفاً حينما قاد قلبي للنور في ذاك السواد الحالك ، و رغم خشخشةِ الألم ، و صوت الفرح الذي بات قريباً ، ابتدأ ببحةِ سعلةٍ أوجعتِ الليل قلقاً ، لكنِّ الله هو الرفيق حتى ادفأ الأحزان ، و أسكن الونّات ، وجعل هذه الحياة طمأنينةً ، ونبراساً منيراً للذي هو آت .

نألف قلوباً تدوم لنا طويلاً ، و قلوباً تمضي في حيواتنا على عجل ، نصادف من نبغضهم من النظرةِ الأولى ، دون أن نحملُ هماً بمحاولة مصافحتهم معلنين عن قرباً طويل ، و هناك من يجعلهم الله في قلوبنا فجأة ، و كلهم عابرين و نحن على يقينٍ أن لا أحد باقٍ لأحد .

تنتفضُ بنا الحياةِ مراتٍ و مراتٍ حتى تلكَ النفضةِ الأخيرة التي لن نشعر بألمها ، لكنّنا وعلى دعاءٍ عميقٍ أن يحمينا الله من انتفاضةِ الجميعِ عنا ، ليبقى من يمضي الليل يدعو أن يتغمدنا الله برحمته ، أن يرزقنا الجنّةِ بغير حساب ولا سابقةِ عذاب ، و أننا كلما سألنا الله أن يرزقنا بذاكَ الذي ينتفضُ بعدنا ، نسأله أن نبقى بثباتٍ في طريقِ الطمأنينة ، وطريق الجنّة التي لا نظمأ بعدها أبدا .

من أرسل السلوى و الآيات ، و أنزل علينا ربةِ الإلهام بعد المطر ، و من جعلنا نسأله و بيقينٍ أنه قريب ، و إن رجوناه آملا لا يخذل ، بعد كلّ انكسارٍ كان لنا الجبرَ و الفرح ، من أبسط لنا لذة الحياة الدنيا بقربه ، و من جعل كلّ أحلامنا تمضي إليه بلا كلل ، وكل سؤلٍ كان مجاباً دون اكتفاء ، إني إليه ، و إني إليه راجع .

و من غيركَ يا حبيبي كنتَ لي أُنساً ، وإني بكَ قوةً لا تكسرها أي قوّة ، و إني بكلّ جوارحي آمنتُ بك ، و إني مضيتُ إليكَ في شوقٍ لرضاك و جنتك ، و أنت من كنتَ لي حبل النجاةِ من الخيبات ، و كنتَ انت يا إلهي رفيق الأوجاع و كشفت عني كلّ كربةٍ و هم .

ناصيتي بيدك ، ماضيةٌ إليك ، ماضٍ فيّ حُكمك ، وعدلٌ فيّ قضائك ، أن لستُ بمعصومةٍ عن الزلل ، و لستُ التي لا اسيء القولَ أو الفعل ، وإني على يقينٍ مهما أخطأت كان لي رباً رحيما غفورا .

لو كان مثل زبد البحر ذنبي ما قنطتُ من رحمتك ، ولو كان مثل الكون همي أيقنت أنك تفرجه ، و لو كان كلّ صمتِ الأرض فيّ أدركتَ ما فيّ قبل أن أهمس ببنتِ شفه ، إلى أن يبحَ صوتي إلحاحاً حتى تغفر لي ، وترزقني جنّتكَ يا الله .

غريباً انضممت إليه في مشاركتهِ حديثٍ طويل ، كان في ترحِ الحياة رفيقاً أم أنه كان بعيد ، كان قريبا صافحتهُ يوماً أم غريب ، كان فظاً غليظ القلب أم لطيف ، كان يوماً في دروبِ العمرِ نوراً أم ظلام ، هذا المطرُ يولدنا مراراً ، و تنبثق فينا الحَياة .


غريبٌ كنتَ أم رفيق ، أم كنتَ صاحباً وونيسْ ، كنتَ من القلب قريباً أو حبيب ، أم كنتَ لي درباً بهذه الحياة و أهديتني سراجاً مُنير ، يبقى مُجبر كلّ كسرٍ رحمنٌ رحيم ، تبقى الحياةُ قصيرةٌ و جنّة الخلدِ الأمان .